Selasa, 29 November 2011

I'rab Surat al Maidah

Agus Subandi,Drs.MBA


اعراب آيات سورة ( المائدة )
{يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِٱلْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ ٱلأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي ٱلصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ ٱللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ }
{يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ..} [1]
{يَا} للنداء وحروف النداء عند سيبويه خمسة وهي: يا وأَيَا وهَيّا وأَيْ والألف. و {ها} للتنبيه و {أيّ} نداء مفرد والنعت لازم له لِيُبيِّنَهُ {ٱلَّذِينَ} نعت لأيّ ويقال: "الَّذُونَ" {آمَنُوا} صلة الذين والأصل "أأْمَنُوا" فَخُفِّفَتِ الهمزةُ الثانية ولا يجوز ألجمع بينهما في حرف واحد إلاّ في فَعّال. {أَوْفُواْ} مجزوم عند الكوفيين واضمروا اللام، وغير معرب عند البصريين لأنه لا يُضارِعُ.
{بِٱلْعُقُودِ} خفض بالباء وهو جمع عَقْدٍ يُقالُ: عَقَدتُ الحبلَ والعهدَ وأعقدت العسل ووجبَ بهذا أن يُوَفى بكل يمين وأمانٍ وبيع واجارة إذا لم يكن حراماً. {أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ ٱلأَنْعَامِ} اسم ما لم يُسَمّ فاعله أي أحل لكم أكلُها والانتفاع بها. وبنو تميم يقولون: "بِهِيمةٌ".
{إِلاَّ مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ} في موضع نصب بالاستثناء، وهو عند سيبويه بمنزلة المفعول، وعند أبي العباس بمعنى استثنيتُ. قال أبو إسحاق: لا يجوز إلا ما قال سيبويه والذي قال أبو العباس لا يصحّ، وزعم الفراء: أنه يجوز الرفع بجعلها "إلا" العاطفة والنصب عنده بإِنْ. {غَيْرَ مُحِلِّي} نصب على الحال مما في أوفوا. قال الأخفش: أي يا أيها الذين آمنوا أوفُوا بالعقود غير محلي الصيد، وقال غيره: حال من الكاف والميم، التقدير احلت لكم بهيمة الأنعام غير محلى الصيد، والأصل محلين حذفت النون استخفافاً وَحُذِفَتِ الياء في الوصل لالتقاء الساكنين. {وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} ابتداء وخبر {إِنَّ ٱللَّهَ} اسم "إِنّ" {يَحْكُمُ} في موضع الخبر أي بين عباده.

{ يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ ٱللَّهِ وَلاَ ٱلشَّهْرَ ٱلْحَرَامَ وَلاَ ٱلْهَدْيَ وَلاَ ٱلْقَلاۤئِدَ وَلاۤ آمِّينَ ٱلْبَيْتَ ٱلْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّن رَّبِّهِمْ وَرِضْوَاناً وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَٱصْطَادُواْ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ أَن تَعْتَدُواْ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلْبرِّ وَٱلتَّقْوَىٰ وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلإِثْمِ وَٱلْعُدْوَانِ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ }
{يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ ٱللَّهِ..} [2]
وهي العلامات وقيل هي البُدْنُ المُشْعَرَةُ أي [المُعْلَمةُ أي] لا تَستَحلّوها /58/ أ قبل مَحلّها وقيل هي العلامات التي بين الحلّ والحرم لا تتجاوزوها غيرَ محرمينَ. {وَلاَ ٱلشَّهْرَ ٱلْحَرَامَ} عطف، وكذا {وَلاَ ٱلْهَدْيَ وَلاَ ٱلْقَلاۤئِدَ وَلاۤ آمِّينَ} قيل: هذا كله منسوخ وقيل حُرّمَ عليهم أن يمسوا الهَدْيَ والقلائد قبل مَحلّ الهدي ورُوِيَ عن الأعمش {ولا أامّي ٱلْبَيْتَ ٱلْحَرَامَ} بحذف النون والاضافة {يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّن رَّبِّهِمْ} في موضع نصب أي مبتغين، وقرأ يحيى بن وثاب والأعمش {وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ} بضم الياء. قال الكسائي: هما لغتان ولا يعرف البصريون الضم في هذا المعنى وانما يقال ذلك في الاحرام {أَن صَدُّوكُمْ} في موضع نصب مفعول من أجله أي لأن صدّوكم، وقرأ أبو عمرو وابن كثير {إِنْ صَدّوكم} بكسر إِن وهو اختيار أبي عبيد ورُوِيَ عن الأعمش {إنْ يَصُدّوكُمْ} وهذه القراءة لا تجوز باجماع النحويين إلا في شعر على قول بعضهم لأن "إن" إذا عملت فلا بد في جوابها من الفاء والفعل وإن كان سيبويه قد أنشد:
* إِنّكَ إِنْ يُصْرَعْ أَخُوكَ تُصْرعُ *
فإنما أجازه في الشعر وقد ردّ عليه قوله فأما "إِن صَدّوكم" بكسر "إِن" فالعلماء الجلّة بالنحو والحديث والنظر يمنعونَ القراءة بها لأشياء منها انّ هذه الآية نزلت عام الفتح سنة ثمان وكان المشركون صَدّوا المؤمنين عام الحَديْبِيَةِ سنةَ ستٍّ فالصدّ كان قبل الآية وإِذا قُرِئ بالكسر لم يَجُزْ أن يكون إلا بَعدَهُ كما تقول: لا تُعْطِ فلاناً شيئاً إنْ قاتَلَكَ فهذا لا يكون إلا للمستقبل وإِن فتحتَ كانَ للماضي فوجب على هذا ألاّ يجوز إلا أن صَدّوكم، وأيضاً فلو لم يصح هذا الحديث لكان الفتح واجباً لأن قوله تعالى: "لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ ٱللَّهِ" إلى آخر الآية يدلّ على أنّ مكة كانت في أيديهم وأنّهم لا يُنْهَونَ عن هذا إلاّ وهم قادرون على الصدّ عن البيت الحرام فوجب من هذا فتح "أنْ" لأنه لَما مضى وأيضاً فلو كان للمستقبل لكان بعيداً في اللغة لأنك لو قلت لرجلٍ يخافُ من آخر الشتم والضرب والقتل: لا تَغضَبْ إن ضرَبَكَ فُلانٌ لكانَ بعيداً لأنك توهم أنه يغضب من الضرب فقط.
{أَن تَعْتَدُواْ} في موضع نصب لأنه مفعول به أي لا يكسبنّكُم شَنأنُ قومٍ الاعتداء، وأنكر أبو حاتم وأبو عبيد "شَنَآنُ" باسكان النون لأن المصادر إنما تأتي في مثل هذا متحركة وخالفهما غيرهما وقال: ليس هذا مصدراً ولكنه اسم فاعل على وزن كَسْلان وغَضبان قال الأخفش: ثم قال {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلْبرِّ وَٱلتَّقْوَىٰ} فقطعه من أول الكلام {إِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ} اسم إِنّ وخبرها.

{ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةُ وَٱلْدَّمُ وَلَحْمُ ٱلْخِنْزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ ٱللَّهِ بِهِ وَٱلْمُنْخَنِقَةُ وَٱلْمَوْقُوذَةُ وَٱلْمُتَرَدِّيَةُ وَٱلنَّطِيحَةُ وَمَآ أَكَلَ ٱلسَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى ٱلنُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُواْ بِٱلأَزْلاَمِ ذٰلِكُمْ فِسْقٌ ٱلْيَوْمَ يَئِسَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَٱخْشَوْنِ ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلإِسْلٰمَ دِيناً فَمَنِ ٱضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }
{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةُ..} [3]
اسم ما لم يسمَّ فاعله وما بعدهُ عطف عليه، ويجوز فيما بعده النصب بمعنى وحَرّمَ اللهُ عليكم الدمَ، والأصل في دم فَعَلٌ يدلّ على ذلك قول الشاعر:
* جَرَى الدمَيَانِ بالخبر اليَقِينِ *
وهو من دمِي يَدْمَى مثل: حَذِرَ يَحْذرُ، وقيل: وزنُهُ فَعْلٌ باسكان العين. {وَٱلنَّطِيحَةُ} بالهاء وإن كانت مصروفة عن مفعولة لأنه لم يتقدمها اسم. وكذا يقول: خَضِيبَةٌ فإِن [ذَكَرتَ مُؤنّثاً] قلتَ: رأيتُ كَفّاً خضيباً هذا قول الفراء، والبصريون يقولون: جُعِلت اسماً فَحُذِفَتْ منها الهاء كالذبيحة، وقيل: هي بمعنى ناطحة قال الفراء: أهل نجد يقولون "ٱلسَّبْعُ" فيحذفون الضمة {إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ} في موضع نصب بالاستثناء {وَأَنْ تَسْتَقْسِمُواْ بِٱلأَزْلاَمِ} وحقيقته في اللغة تستدعوا القَسْمَ بالقِدَاح. قال الأخفش وأبو عبيدة: واحد الأزلام زُلَمٌ وزَلَمٌ {ذٰلِكُمْ فِسْقٌ} ابتداء وخبر {ٱلْيَوْمَ} ظرف والعامل فيه يَئِس والتقدير اليوم يَئِسَ الذينَ كَفرُوا من تغيير دينكم وردّكم عنه لَما رأوا من استبصاركم بصحَّتِهِ واغتباطكم به {ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} فدلّ بهذا على أن الإيمان والإسلام /58/ ب أشياء كثيرة، وهذا خلاف قول المرجئة. {فَمَنِ ٱضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ} "مَنْ" في موضع رفع بالابتداء، والتقدير فإِنّ الله له غفور رحيم ثم حذف له وأنشد سيبويه:
قَدْ أصبَحَتْ أمُّ الخيَار تَدَّعى * عليّ ذَنباً كُلُّهُ لم أصْنَعِ
"ٱضْطُرَّ" في موضع جزم بالشرط إلاّ أنه فعل ماض لا يعمل فيه عامل، ويجوز كسر النون وضمُّها، وقرأ ابن مُحَيْصِن {فمن اطّرَّ} وهو لَحْنٌ لأن الضاد فيها تَفَشٍ فلا تُدغَمُ في شيء {غَيْرَ مُتَجَانِفٍ} على الحال وإن شئت كسر النون في "فَمَنْ" على أصل التقاء الساكنين.




اعراب آيات سورة ( المائدة )
{ يَسْأَلُونَكَ مَاذَآ أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ ٱلطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِّنَ ٱلْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ ٱللَّهُ فَكُلُواْ مِمَّآ أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَٱذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَيْهِ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ }
{يَسْأَلُونَكَ مَاذَآ أُحِلَّ لَهُمْ..} [4]
{ما} في موضع رفع بالابتداء، والخبر {أُحِلَّ لَهُمْ} (وذا) زائدة، وإِنْ شئت كان بمعنى الذي وكان الخبر {قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ ٱلطَّيِّبَاتُ} وهو الحلال، وكل حرام فليس بطيب، وقيل: الطيب ما التذّهُ آكله وشاربه ولم يكن عليه منه ضرر في الدنيا ولا في الآخرة {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِّنَ ٱلْجَوَارِحِ} قال الأخفش: واحدتها جارحة {مُكَلِّبِينَ} نصب على الحال {فَكُلُواْ مِمَّآ أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} الأصل أَمسكْنَهُ وحذفت الهاء لطول الاسم وفي هذا وفيما قبله دليل على أنه انْ أكَلَ الجارِحَةَ لم يؤكلْ منه {وَٱذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَيْهِ} الذكر باللسان، وقيل: بالقلب والذي تُوجِبُه اللغة أن يكون باللسان حَقِيقةً وبالقلب مجازاً.

{ ٱلْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ ٱلطَّيّبَـٰتُ وَطَعَامُ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ وَٱلْمُحْصَنَـٰتُ مِنَ ٱلْمُؤْمِنَـٰتِ وَٱلْمُحْصَنَـٰتُ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا ءاتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَٰفِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِيۤ أَخْدَانٍ وَمَن يَكْفُرْ بِٱلإِيمَٰنِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي ٱلآخِرَةِ مِنَ ٱلْخَٰسِرِينَ }
{.. مُحْصِنِينَ..} [5]
نصب على الحال {غَيْرَ مُسَافِحِينَ} مثله، وإن شئت كان نعتاً {وَلاَ مُتَّخِذِيۤ أَخْدَانٍ} عطف على مُسافِحينَ ولا يجوز أن يكونَ معطوفاً على محصنين {وَمَن يَكْفُرْ بِٱلإِيمَانِ} شرط والجواب {فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ}. قال أبو إسحاق: أي من بدل شيئاً مما أحلّه الله فجعله حراماً أو حَرّمَ شيئاً مما أحلّه الله فقد حَبِطَتْ أعماله أي لا يُثابُ عليها {وَهُوَ فِي ٱلآخِرَةِ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ} لا يجوز أن يكون الظرف مُتعلقاً بالخاسرين فيدخل في الصلة ولكنه متعلّق بالمصدر، وقد ذكرنا نظيره فيما تقدّم وأما قول مجاهد رواه عنه ابن جُرَيْجٍ في قول الله تعالى {وَمَن يَكْفُرْ بِٱلإِيمَانِ} قال "باللهِ" فمعناه من كفر بالإيمان كفر بالله وحبط عمله والدليل على ذلك أنّ سفيان روى عن يزيد بن أبي زياد عن مجاهد قال: "الايمانُ قولٌ وعَمَلٌ يَزيدُ ويَنْقُصُ".

{ يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى ٱلصَّلاةِ فٱغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى ٱلْمَرَافِقِ وَٱمْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى ٱلْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَٱطَّهَّرُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَىۤ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَآءَ أَحَدٌ مِّنْكُمْ مِّنَ ٱلْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَلَمْ تَجِدُواْ مَآءً فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً فَٱمْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِّنْهُ مَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَـٰكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }
{يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى ٱلصَّلاةِ..} [6]
قال زيد بن أسلم: أي إِذا قمتم من النوم الى الصلاة وقال غيره في الكلام حذف أي إِذا قمتم الى الصلاةِ وقد أحْدَثْتُمْ وقيل كان واجباً أن يتهيّأ للصلاة كلُّ مَنْ قام إليها ثم نُسِخ ذلك. {وَٱمْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ} فمن قرأ بالنصب جعله عطفاً على الأول أي واغسلوا أرجلكم، وقد ذكرنا الخفض إِلا أنّ الأخفش وأبا عبيدة يذهبان إلى أنّ الخفض على الجوار والمعنى للغسل. قال الأخفش: ومثله "هذا جُحْرُ ضَبٍ خَرِبٍ" وهذا القول غلط عظيم لأن الجوار لا يجوز في الكلام أن يقاسَ عليه وإنما هو غلط ونظيره الأقواء ومن أحسن ما قيل أنّ المسح والغسل واجبان جميعاً والمسحُ واجبٌ على قراءة من قرأ بالخفض والغسل واجب على قراءة من قرأ بالنصب، والقراءتان بمنزلة آيتينِ وفي الآية تقديم وتأخير على قول بعضهم قال: التقدير إِذا قمتم الى الصلاة أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحُوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين. {وَإِن كُنتُمْ جُنُباً} أي ذوي جنب لأن جنباً مصدر واحد فان جمعته قلت: جُنُوبٌ وأجنابٌ وجِنابٌ. وحكى ثعلب ومحمد بن جرير: أجنبَ الرجلُ وَجَنَبَ واجتَنَبَ والمصدر الجَنَابَةُ والاجنَابُ {فَٱطَّهَّرُواْ} والأصل فَتَطهّروا فأدغمت التاء في الطاء لأنها من أصول الثنايا العليا وطرف اللسان وجيء بألف الوصل ليوصل الى الساكن وقرأ الزهري {أَوْ جَآءَ أَحَدٌ مِّنْكُمْ مِّنَ الغَيِْطِ}. {وَلَـٰكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ} لام كي أي ارادتُهُ ليُطهّركم من الذنوب {وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ} بالثواب.




اعراب آيات سورة ( المائدة )
{ وَٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ ٱلَّذِي وَاثَقَكُم بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ }
{وَٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ /95/ أ ٱلَّذِي وَاثَقَكُم بِهِ..} [7]
قيل: هذا الميثاق الذي في قوله جل وعز {وإِذ أَخَذَ ربك من بني آدم} وقيل: هذا الميثاق الذي أَخَذَهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم في بيعة الرضوان.

{ يَا أَيُّهَآ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ للَّهِ شُهَدَآءَ بِٱلْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىۤ أَلاَّ تَعْدِلُواْ ٱعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ }
{.. شُهَدَآءَ..} [8]
أي مُبيّنِينَ وهو منصوب على أنه خبر ثان من كونوا، ويجوز أن يكون نعتاً لقوامين وبدلا ولم ينصرف لأن فيه ألفَ التأنيث. {عَلَىۤ أَلاَّ تَعْدِلُواْ} منصوب بأن ولا تحولُ "لا" بين العامل والمعمول فيه لانها قد تقع زائدة. {ٱعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ} ابتداء وخبر.

{ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ }
{وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ..} [9]
إِذا قلت: وعد لم يكن إِلاّ للخير وأوعدَ للشر إلا أن يُبَيَّنَ. {لَهُم مَّغْفِرَةٌ} رفع بالابتداء {وَأَجْرٌ عَظِيمٌ} عطف عليه.
اعراب آيات سورة ( المائدة )
{ وَلَقَدْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَاقَ بَنِيۤ إِسْرَآئِيلَ وَبَعَثْنَا مِنهُمُ ٱثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً وَقَالَ ٱللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ ٱلصَّلاَةَ وَآتَيْتُمُ ٱلزَّكَاةَ وَآمَنتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً لأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ فَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذٰلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ }
{وَلَقَدْ..} [12]
لام توكيد {أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَاقَ بَنِيۤ إِسْرَآئِيلَ} وهو الذي كان موسى صلى الله عليه وسلم أخذه عليهم {وَبَعَثْنَا مِنهُمُ ٱثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً} نصب ببعثنا وعلامة النصب الياء وأعربت اثنا عشر من بين أخواتها لأن المثنى لا يبنى {وَقَالَ ٱللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ} كُسرَتْ "ان" لأنها مبتدأة، ومعكم منصوب لأنه ظرف {لَئِنْ أَقَمْتُمُ ٱلصَّلاَةَ} لام توكيد ومعناها القسم، وكذا {لأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ} وكذا {وَلأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ}.

{ فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ ٱلْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِرُواْ بِهِ وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىٰ خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمُ فَٱعْفُ عَنْهُمْ وَٱصْفَحْ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ }
{فَبِمَا نَقْضِهِم..} [13]
"ما" زائدة للتوكيد و "نَقْضِهِم" مخفوض بالباء، ويجوز رفعه في غير القرآن أي فالذي هو نَقْضُهمْ. {يُحَرِّفُونَ ٱلْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ} أي يتأولونه على تأويله و {يُحَرِّفُونَ} في موضع نصب أي جعلنا قلوبهم قاسية محرفين قيل: معنى جعلنا قلوبهم قاسية وصفناهم بهذا، ومثلُهُ كثير قد حكاه سيبويه وغيره وقد ذكرناه {وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىٰ خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً} استثناء من الهاء والميم اللتين في خائنة منهم قال قتادة خائنة خيانة. {فَٱعْفُ عَنْهُمْ وَٱصْفَحْ} أمر وفي معناه قولان: أحدهما فاعفُ عنهم واصفح ما دام بَينَكَ وبَينَهُم عهدٌ وهم أهل الذمة، والقول الآخر أنه منسوخ بقوله تعالى {وإما تَخافَنَّ من قومٍ خيانةً فانبذ إليهم على سواءٍ}.

{ وَمِنَ ٱلَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَارَىٰ أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُواْ حَظّاً مِّمَّا ذُكِرُواْ بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ ٱلْعَدَاوَةَ وَٱلْبَغْضَآءَ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ ٱللَّهُ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ }
{وَمِنَ ٱلَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَارَىٰ أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ..} [14]
قال سعيد الأخفش هذا كما تقول: مِنْ زَيدٍ أخذتُ درهَمهُ. قال أبو جعفر: ولا يجيز النحويون أخذنا ميثاقهم من الذين قالوا إنا نصارى ولا أَلْينَها لبستَ من الثياب لِئلا يتقدم مضمر على مظهر {فَنَسُواْ حَظّاً مِّمَّا ذُكِرُواْ بِهِ} أي تركوا حَظّاً من الكتاب الذي وُعِظُوا به وذُكّرُوا به، وجَعَلُوا ذلك الترك والتحريف سبباً للكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم. وجَمْعُ حَظٍ حُظُوظٌ، وسُمِعَ عن العرب: أَحظٍ باسكان الحاء، والأصل: أحظُظٌ فابدل من الضاد ياءاً، وسمع منهم أَحَاظٍ. {فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ ٱلْعَدَاوَةَ وَٱلْبَغْضَآءَ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ} قيل: يراد به النصارى، وقيل: اليهود والنصارى؛ لأنه قد تَقدّمَ ذكرهما. والأَوْلَى أن يكون للنصارى لأنهم أقرب. وأحسنُ ما قيل في معنى "أَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ ٱلْعَدَاوَةَ وَٱلْبَغْضَآءَ" أن الله تعالى أمر بعداوة الكفار وإبغاضهم فكلّ فرقةٍ مأمورة بعداوة صاحبتها وأبغاضها لأنهم كفار.

اعراب آيات سورة ( المائدة )
{ يَا أَهْلَ ٱلْكِتَابِ قَدْ جَآءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِّمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ ٱلْكِتَابِ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ قَدْ جَآءَكُمْ مِّنَ ٱللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ }
قرأ الحسن {.. قَدْ جَآءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ..} [15].
أدغم النون في اللام لقربها منها و {يُبَيِّنُ} في موضع نصب على الحال {وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ} معطوف عليه.
وقرأ مسلم بن جُندّبٍ وعبيد بن عمير.

{ يَهْدِي بِهِ ٱللَّهُ مَنِ ٱتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ ٱلسَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُمْ مِّنِ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }
{يَهْدِي بِهِ ٱللَّهُ} [16]
بضم الهاء على الأصل، ومن كَسَرَ أبدلَ من الضمة كسرةً لئلا يجمع بين ضمة وكسرة. {سُبُلَ ٱلسَّلاَمِ} مفعول ثان، والأصل إلى سبل السلام.

{ وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ وَٱلنَّصَٰرَىٰ نَحْنُ أَبْنَٰؤُاْ ٱللَّهِ وَأَحِبَّٰؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم بَلْ أَنتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ وَللَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ }
{وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ وَٱلنَّصَارَىٰ نَحْنُ أَبْنَاءُ ٱللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ...} [18]
ابتداء وخبر فَرَدّ الله تعالى هذا عليهم فقال: {قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم} فلم يكونوا يَخلُونَ من إِحدى جهتين: إِمَّا أن يقولوا؛ هُو يُعذِّبُنا، فيقالُ لهم: فلستم إِذاً أَبناءَهُ وأحباءَهُ، أو يقولوا: لا يُعذّبنا فيكذّبوا ما في كتبهم وما جاءت به رُسُلُهُمْ ويبيحوا المعاصي. {بَلْ أَنتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ} /59 ب/ ابتداء وخبر {يَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ} وقد أعلمَ الله جل وعز من يغفر لَه أنّه من تابَ وآمنَ وأَعلَمَ من يعذبُه، وهو من كَفَرَ وأصرّ فلما عرِفَ معناه جاء مجملاً ولم يقل عز وجل: يغفر لمن يشاء منكم.

اعراب آيات سورة ( المائدة )
{ يَا أَهْلَ ٱلْكِتَابِ قَدْ جَآءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَىٰ فَتْرَةٍ مِّنَ ٱلرُّسُلِ أَن تَقُولُواْ مَا جَآءَنَا مِن بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ ٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَآءَ وَجَعَلَكُمْ مُّلُوكاً وَآتَاكُمْ مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِّن ٱلْعَٱلَمِينَ }
{.. أَن تَقُولُواْ..} [19]
في موضع نصب أي كَراهةَ أن تقولوا، ويجوز "مِن بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ" على الموضع.
وروى عُبَيْد بن عقيل عن شبل بن عبّاد عن عبد الله بن كثير أنه قرأ {.. يَاقَوْمُ ٱذْكُرُواْ..} [20] بضم الميم وكذلك ما أَشْبَهَهُ وتقديره يا أيّها القوم كما قال:
* وَيلاً عَلَيكَ ووَيلاً مِنْكَ يا رَجُلُ *
{إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَآءَ} لم ينصرف لأن فيه ألفَ تأنيث {وَجَعَلَكُمْ مُّلُوكاً} قيل تملكون أمركم لا يغلبكم عليه غالب، وقيل جعلكم ذوي منازل لا يُدخَلُ عليكم فيها إلا بإِذن. وروى أنس بن عياض عن زيد بن أسلم عن أَنَس بن مالك لا أَعلَمهُ إلا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كانَ له منزل أو قالَ بيت يأوي إليه وزوجة وخادم يخدمه فهو ملك". {مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِّن ٱلْعَٱلَمِينَ} حذفت الياء للجزم، ويجوز إثباتها في الشعر.

{ يَٰقَوْمِ ٱدْخُلُوا ٱلأَرْضَ ٱلمُقَدَّسَةَ ٱلَّتِي كَتَبَ ٱللَّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَىٰ أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَٰسِرِينَ }
{يَاقَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ..} [21]
[يَعنِي بيت المقدس و {المقدسة}] نعت للأرض أي المُطَهّرة من كثير من الذنوب بكثرة الأنبياء فيها {الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} نعت أي كتب لكم سكناها {وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَىٰ أَدْبَارِكُمْ} أي لا ترجعوا عن طاعتي {فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ} جواب النهي.

{ قَالُوا يَامُوسَىٰ إِنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىٰ يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ }
{قَالُوا يَامُوسَىٰ إِنَّ فِيهَا قَوْماً..} [22]
اسم "إِنَّ"، {جَبَّارِينَ} نعت والخبر في الظرف. {حَتَّىٰ يَخْرُجُواْ} نصب بحتى ولا يجوز رفعه لأنه مستقبل.
اعراب آيات سورة ( المائدة )
{ قَالَ رَجُلاَنِ مِنَ ٱلَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمَا ٱدْخُلُواْ عَلَيْهِمُ ٱلْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى ٱللَّهِ فَتَوَكَّلُوۤاْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ }
{قَالَ رَجُلاَنِ..} [23]
ويجوز الادغام ادغام اللام في الراء ويجوز إِسكان الجيم من رجلين لثقل الضمة. {مِنَ ٱلَّذِينَ يَخَافُونَ} ومن قرأ {يُخَافُون} قال: هما جبّاران من الله عليهما بالاسلام ومَنْ فتح الياء قال: هما من أصحاب موسى الذين يَخَافُون الجبارين، وقد يجوز على هذه القراءة أن يكونوا من الجبارين.

{ قَالُواْ يَامُوسَىۤ إِنَّا لَنْ نَّدْخُلَهَآ أَبَداً مَّا دَامُواْ فِيهَا فَٱذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلاۤ إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ }
{.. أَبَداً..} [24]
ظرف زمان {فَٱذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ} عطف على المضمر الذي في فاذهب لأنك قد أكدته ويقبح عند البصريين أن تعطف على المضمر المرفوع إذا لم تؤكده لأنه كأحد حروف الفعل إلا أنه جائز عندهم في الشعر وهو عند الفراء جائز في كل موضع. {إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} خَبَرُ إِنّ، ويجوز في غير القرآن قاعدين على الحال لأن الكلام قد تَمّ.

{ قَالَ رَبِّ إِنِّي لاۤ أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَٱفْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ ٱلْقَوْمِ ٱلْفَاسِقِينَ }
{قَالَ رَبِّ إِنِّي لاۤ أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي..} [25]
الأصل إِنّني حذفت النون لاجتماع النونات {وَأَخِي} في موضع نصب عطف على نفسي، وإِن شئت كان عطفاً على اسم إِن، ويجوز أن يكون موضعه رفعاً عطفاً على الموضع، وإِن شئت على المضمر، وروى ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن عبير بن عمير أنه قرأ {فَٱفْرُقْ} بكسر الراء ومعنى {فَٱفْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ ٱلْقَوْمِ ٱلْفَاسِقِينَ} اجعل دارنا الجنة ليكون بيننا وبينهم فرق.
اعراب آيات سورة ( المائدة )
{ قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي ٱلأَرْضِ فَلاَ تَأْسَ عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْفَاسِقِينَ }
{قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ..} [26]
اسم "إِن" وخبرها. ومعنى محرمة أنّهم ممنوعون من دخولها كما يقال: حَرّمّ الله وجهَكَ على النارِ. {أَرْبَعِينَ سَنَةً} ظرف زمان.

{ وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ٱبْنَيْ ءَادَمَ بِٱلْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ ٱلآخَرِ قَالَ لأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلْمُتَّقِينَ }
{وَٱتْلُ..} [27]
أمر فلذلك حُذِفَتْ منه الواو أمر الله تعالى النبي صلى الله عليه وسلم أن يتلو على اليهود خبر ابني آدم إِذ قَرّبا قُرباناً وان كان عندهم في التوراة لِيعلِمَهُمْ أنّ سبيلهم في عصيان الله تعالى وكفرهم بنبيه صلى الله عليه وسلم سبيل ابن آدم عليه السلام وأنهم ليسوا أكرم على الله من ابن آدم لِصلبِهِ وكان في ذلك دلالة على نبوته صلى الله عليه وسلم إذ كان لم يقرأ الكتب وأما قول عمرو ومجاهد إِنّ اللذين قَرّبَا قربانا من بني إسرائيل فغلط يدلّ على ذلك قوله عز وجل {لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ..} [آية 31]. {قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلْمُتَّقِينَ} أي من المتقين من المعاصي.

{ إِنِّيۤ أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ ٱلنَّارِ وَذَلِكَ جَزَآءُ ٱلظَّالِمِينَ }
{إِنِّيۤ أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ..} [29]
يقال: كيف يريد المؤمن هذا؟ ففي هذا قولان: /60 أ/ محمد بن يزيد: هذا مجاز لَمّا كان المؤمن يريد الثواب ولا يبسط يده بالقتل كان بمنزلة من يريد هذا، والجواب الآخر أنه حقيقة لأنه لما قال له: لأقتَلَنَّكَ استوجب النار بهذا فقد أراد الله تعالى أن يكون من أهل النار فعلى المؤمنين أن يريدوا ذلك فأما معنى {بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ} فمن أحسن ما قيل فيه - وهو مذهب سيبويه - أنّ المعنى بإِثمنا لأن المصدر يضاف إلى الفاعل والمفعول، وحكى سيبويه: المالُ بَينِي وبَينَكَ أي بيننا، وأنشد:
* فأَيِّي ما وأَيُّكَ كَانَ شَرّاً *
أي فأينا، ويجوز أن يكون بإِثمي بإِثم قولك لي لأقتلنك، ويجوز أن يكون المعنى باثم قتلي إِنْ قتلتني {فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ ٱلنَّارِ} عطف {وَذَلِكَ جَزَآءُ ٱلظَّالِمِينَ} ابتداء وخبر.
اعراب آيات سورة ( المائدة )
{ فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ }
قرأ أبو واقد {فَطَاوَعَتْ لهُ نَفسُهُ} [30]
قال أبو جعفر: هذا بعيد لأنه إِنما يقال: طاوعته نفسه.

{ فَبَعَثَ ٱللَّهُ غُرَاباً يَبْحَثُ فِي ٱلأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ يَاوَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَـٰذَا ٱلْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ ٱلنَّادِمِينَ }
{فَبَعَثَ ٱللَّهُ غُرَاباً يَبْحَثُ فِي ٱلأَرْضِ..} [31]
أي أحدث له شهوة في هذا {لِيُرِيَهُ} لام كي يكون لما آل أمره إِلى هذا كان كأنه فَعَلَهُ لِيريَهُ، ويجوز أن يكون المعنى ليريهُ الله، وان خَفّفتَ الهمزة قلت: سُوّة. {يَاوَيْلَتَا} الأصل: يا وَيلَتِي ثم أُبدلَ من الياء ألفاً. وقرأ الحسن {يا وَيلَتِي}/ بالياء. والأول أَفصحُ لأن حذف الياء في النداء أكثر. ومذهب سيبويه/ أن النداء إِنما يَقَعُ في هذه الأشياء على المبالغة اذا قلت: يا عَجَبا فكأنك قُلتَ: يا عَجَبُ احضَرْ فهذا وَقتُكَ، فهذا أبلغ من قولك: هذا وقتُ العَجَبِ/ ويا وَيلَتا كَلِمةٌ تدعو بها العرب عند الهلاك هذا قول سيبويه، وقال الأصمعي: ويلٌ بُعدٌ/ وقرأ الحسن {أَعَجِزْتُ}/ بكسر الجيم. وهذه لغة شاذة إِنما يقال: عَجِزتِ المرأةُ إِذا عَظُمَتْ عَجِيزتُهَا، وعَجَزتُ عَنِ الشيءِ أعجِزُ عَجْزاً ومَعجزَةً ومَعجِزَةً {فَأُوَارِيَ} عطف على أكون، ويجوز أن يكون جواب الاستفهام.

{ مِنْ أَجْلِ ذٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي ٱلأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ ٱلنَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جَآءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِٱلّبَيِّنَٰتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِّنْهُمْ بَعْدَ ذٰلِكَ فِي ٱلأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ }
قرأ يزيد بن القعقاع {مِنْ أَجْلِ ذٰلِكَ..} [32]
بكسرِ النون واسقاط الهمزة، وهذا على لغة من قال: أجْل ثُمّ خَفّفتَ الهمزة. يقال: أَجَلْتُ الشيء آجِلُهُ أجْلاً وإِجْلاً إِذا جَنَيْتَهُ {أَنَّهُ} في موضع نصب أي بأنّهُ والهاء كناية عن الحديث، ويجوز إِنه بالكسر على الحكاية، والجملة خبر "انّ". وقرأ الحسن {أَو فَسَاداً} أي أو عمل فساداً، ويجوز أن يكون بمعنى المصدر أَوْ أفسَدَ فَسَاداً.

اعراب آيات سورة ( المائدة )
{ إِنَّمَا جَزَآءُ ٱلَّذِينَ يُحَارِبُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي ٱلأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُوۤاْ أَوْ يُصَلَّبُوۤاْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ ٱلأَرْضِ ذٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي ٱلدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ }
{إِنَّمَا جَزَآءُ ٱلَّذِينَ يُحَارِبُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ..} [33]
"جَزَآءُ" رفع بالابتداء وخبره {أَن يُقَتَّلُوۤاْ} والتقدير الذين يحاربون أولياء الله ومُتَّبِعِي رُسُله، وقرأ الحسن {أَن يُقَتَّلُوۤاْ أَوْ يُصَلَّبُوۤاْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم} والأصل أيديُهُمْ حذفت الضمة من الياء لثقلها، {ذٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي ٱلدُّنْيَا} ابتداء وخبر {وَلَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} يدلّ على أن الحدَّ لا يزيل عقوبة الآخرةِ عَمّنْ لم يتبْ.

{ إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُواْ عَلَيْهِمْ فَٱعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }
{إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ..} [34]
في موضع نصب بالاستثناء، ويجوز أن يكون في موضع رفع بالابتداء، ويكون التقدير: الا الذين تابوا من قبل أن تَقْدِرُوا عليهم {فَٱعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ} لهم {غَفُورٌ رَّحِيمٌ}.

{ يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱبْتَغُوۤاْ إِلَيهِ ٱلْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }
{يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱبْتَغُوۤاْ إِلَيهِ ٱلْوَسِيلَةَ..} [35]
أي بترك المعاصي والجهاد.
اعراب آيات سورة ( المائدة )
{ وَٱلسَّارِقُ وَٱلسَّارِقَةُ فَٱقْطَعُوۤاْ أَيْدِيَهُمَا جَزَآءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }
{وَٱلسَّارِقُ وَٱلسَّارِقَةُ..} [38]
رفع بالابتداء، والخبر {فَٱقْطَعُوۤاْ أَيْدِيَهُمَا} وعند سيبويه الخبر محذوف والتقدير عنده: وفيما فرض عليكم السارق والسارقة فاقطعوا أيديهما، والرفع عند الكوفيين بالعائد، وقرأ عيسى بن عمر {وٱلسارِقَ وٱلسارِقة} نصبا وهو اختيار سيبويه. قال: إلا أن العامة أبت إلا الرفع يريد بالعامة الجماعة ونصبه باضمار فعل أي اقطعوا السارق والسارقة وإنما اختار النصب لأن الأمر بالفعل أولَى وقد خُولفَ سيبويه في هذا فزعم الفراء: أن الرفع أولى لأنه ليس يُقْصَدُ به إلى سارق بعينه فنصب وإِنما المعنى كل من سرق فاقطعوا يده. وهذا/ 60 ب/ قَولٌ حَسَنٌ غير مدفوع. يدلّ عليه أنهم قد أجمعوا على أن قرءوا {واللذانِ يأتِيَانِهَا منكم فأذوهُمَا} وهذا مذهب محمد بن يزيد، فأما "فَٱقْطَعُوۤاْ أَيْدِيَهُمَا" ولم يقل فيه: يديهما فقد تكَلّم فيه النحويون فقال الخليل: أرادوا أن يفرقوا بين ما في الإنسان منه واحد وما فيه اثنان فقال: أشبعتُ بُطُونَها. و {إِنْ تتوبا إِلى اللّهِ فقد صَغَت قُلُوبُكُمَا}، وقال الفراء: لما كان أكثر ما في الإنسان من الجوارح اثنين حملوا الأقل على الأكثر، وقال غيرهما: فعِلَ هذا لأن التثنية جَمْعٌ وقيل: لأنه لا يُشكِلُ، وأجاز النحويون التثنية على الأصل والتوحيد لأنه يُعْرَفُ، وأجاز سيبويه جَمْعَ غير هذا ، وحكى: وصغَار حالَهُما يريد رَحْلَى راحِلَتَيْنِ. {جَزَآءً بِمَا كَسَبَا} مفعول من أجله، وان شئتَ كان مصدراً، وكذا {نَكَالاً مِّنَ ٱللَّهِ}.

{ فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ ٱللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }
{فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ..} [39]
شرط وجوابه {فَإِنَّ ٱللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ}.

{ يٰأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ ٱلَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي ٱلْكُفْرِ مِنَ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ وَمِنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ ٱلْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَـٰذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَٱحْذَرُواْ وَمَن يُرِدِ ٱللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ لَمْ يُرِدِ ٱللَّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ }
{.. لاَ يَحْزُنكَ ٱلَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي ٱلْكُفْرِ..} [41]
ويقال: يُحْزِنْكَ ، والأول أفصح. {مِنَ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ} أي لم يضمروا في قلوبهم الايمان كما نطقت به ألسنتهم {وَمِنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ} يكون هذا تمام الكلام ثم قال جل وعز {سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ} أي هم سماعون ومثله {طَوّافونَ عليكم}. وقال الفراء: ويجوز سَمّاعِينَ وطَوّافِينَ كما قال: {ملعونين أَيْنَمَا ثُقِفُوا} وكما قال {إنّ المُتّقِينَ في جَنّاتٍ ونَعِيمٍ} ثم قال {فاكهين} {وآخذين} ويجوز أن يكونَ المعنى ومن الذين هادوا قَومٌ سَمّاعونَ للكذب {سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ} ثم قال {يُحَرِّفُونَ ٱلْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ} أي يتأولونه على غير تأويله بعد أن فهموه عنك وعرفوا مواضعه التي أرادها الله عز وجل {يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَـٰذَا فَخُذُوهُ} أي إِن أُعطيتُم هذا الذي قلنا لكم فاقبلُوهُ {وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ} أي إن نُهِيتُم عنه {فَٱحْذَرُواْ} أن تقبلوه ممن قال لكم فإِنه ليس بِنَبيٍّ يريدون أن يروا ضَعْفَتَهُم أنّهم ينصحونهم. {أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ لَمْ يُرِدِ ٱللَّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ} أي لم يرد الله عز وجل أن يطهر قلوبهم من الطبع عليها والختم كما طهر قلوب المؤمنين ثواباً لهم.
اعراب آيات سورة ( المائدة )
{ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِن جَآءُوكَ فَٱحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِن تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَن يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَإِنْ حَكَمْتَ فَٱحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِٱلْقِسْطِ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُقْسِطِينَ }
{.. أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ..} [42]
على التكثير. والسحت في اللغة كلّ حرام يَسْحَتُ الطاعات أي يذهبها، وروى العباس بن الفضل عن خارجة بن مصعب عن نافع {أكَّالُونَ لِلسَّحْتِ} بفتح السين، وهذا مصدر من سَحَتَهُ يقال: سَحَتَ وأَسْحَتَ بمعنى واحد، وقال أبو اسحاق: سحَتَهُ ذَهَبَ به قَليلاً قليلاً.

{ إِنَّآ أَنزَلْنَا ٱلتَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا ٱلنَّبِيُّونَ ٱلَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلرَّبَّانِيُّونَ وَٱلأَحْبَارُ بِمَا ٱسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ ٱللَّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَآءَ فَلاَ تَخْشَوُاْ ٱلنَّاسَ وَٱخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْكَافِرُونَ }
{إِنَّآ أَنزَلْنَا ٱلتَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ..} [44]
"هُدىً" في موضع رفع بالابتداء ونور عطف عليه {وَٱلرَّبَّانِيُّونَ وَٱلأَحْبَارُ} عطف على النبيين. {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ} رفع بالابتداء وخبره {فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْكَافِرُونَ} وقد ذكرنا معناه ومن أحسن ما قيل فيه قول الشَّعبيّ قال: هذا في اليهود خاصة ويدلّ على ما قال ثلاثة أشياء: منها أن اليهود قد ذكروا قبل هذا في قوله {لِلَّذِينَ هَادُواْ} فعاد الضمير عليهم، ومنها أن سياق الكلام يدل على ذلك ألاَ ترى أنَّ بَعدَهُ. {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَآ} فهذا الضمير لليهود باجماع وأيضاً فإن اليهود هم الذين أنكروا الرجم والقِصاصَ فإِن قال قائل "مَنْ" إذا كانت للمجازاة فهي عامة إلاّ أن يقع دليل على تخصيصها قيل له "مَنْ" ههنا بمعنى الذي مع ما ذكرنا من الأدلّة والتقدير واليهود الذين لم يحكموا بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون، فهذا أحسن ما قيل في هذا، وقد قيل: من لم يحكم بما أنزل الله مُسْتَحِلاً لذلك. وقد قيل: من ترك الحكم بجميع ما أنزل الله فهو كافر.

{ وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَآ أَنَّ ٱلنَّفْسَ بِٱلنَّفْسِ وَٱلْعَيْنَ بِٱلْعَيْنِ وَٱلأَنْفَ بِٱلأَنْفِ وَٱلأُذُنَ بِٱلأُذُنِ وَٱلسِّنَّ بِٱلسِّنِّ وَٱلْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّالِمُونَ }
{وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَآ أَنَّ ٱلنَّفْسَ بِٱلنَّفْسِ..} [45]
الآية فيها وجوه. قرأ نافع وعاصم والأعمش بالنصب في جميعها، وهذا بين على العطف، ويجوز تخفيف أن ورفع الكل بالابتداء والعطف، وقرأ ابن كثير وابن عامر وأبو عمرو وأبو جعفر بنصب/ 61 أ/ الكل إلاّ الجروح. قال أبو جعفر: حدثنا محمد بن الوليد عن علي بن عبد العزيز عن أبي عبيد قال: حدثنا حَجّاج عن هارون عن عبّاد بن كثير عن عقيل عن الزهري عن أنَسٍ أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَآ أَنَّ ٱلنَّفْسَ بِٱلنَّفْسِ وَٱلْعَيْنُ بِٱلْعَيْنِ وَٱلأَنْفُ بِٱلأَنْفِ وَٱلأُذُنُ بِٱلأُذُنِ وَٱلسِّنُّ بِٱلسِّنِّ وَٱلْجُرُوحُ قِصَاصٌ} الرفع من ثلاث جهات بالابتداء والخبر، وعلى المعنى لأن المعنى قلنا لهم النفس بالنفس، والوجه الثالث قاله أبو اسحاق: يكون عطفاً على المضمر. {فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ} شرط وجوابه ويجوز في غير القرآن فمن اصَّدَّقَ بِهِ.
اعراب آيات سورة ( المائدة )
{ وَقَفَّيْنَا عَلَىٰ آثَارِهِم بِعَيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ ٱلتَوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ ٱلإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ ٱلتَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ }
{وَقَفَّيْنَا عَلَىٰ آثَارِهِم بِعَيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً..} [46]
على الحال. {فِيهِ هُدًى} في موضع رفع بالابتداء {وَنُورٌ} عطف عليه {وَمُصَدِّقاً} فيه وجهان يجوز أن يكون لعيسى صلى الله عليه وسلم ونعطفه على مُصَدِّقٍ الأول، ويجوز أن يكون للانجيل ويكون التقدير وآتيناه الانجيل مستقرّاً فيه هدى ونور ومصدّقاً {وَهُدىً ومَوْعِظَةً} عطف على مصدق.

{ وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ ٱلإِنْجِيلِ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فِيهِ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ }
{وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ ٱلإِنْجِيلِ..} [47]
أمر ويجوز كسر اللام والجزم لأن أصل اللام الكسر، وفي الكلام حذف، والمعنى وأمرنا أهلَهُ أن يحكموا {بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فِيهِ} فحذف هذا، وقرأ الأعمش وحمزة {وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ ٱلإِنْجِيلِ} على أنها لام كي، والأمر أشبه وسياق الكلام يدل عليه. قال أبو جعفر: والصواب عندي أنهما قراءتان حسنتان لأنّ اللّهَ تعالى لم ينزل كتاباً إلاّ لِيُعمَلَ فيما فيه وأمر بالعمل بما فيه فصحتا جميعاً. وإذا كانت لام كي ففي الكلام حذف أي وَلِيحكمَ أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه أنزلناه عليهم.

{ وَأَنزَلْنَآ إِلَيْكَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ ٱلْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَٱحْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ عَمَّا جَآءَكَ مِنَ ٱلْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَـٰكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَىٰ الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ }
{وَأَنزَلْنَآ إِلَيْكَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ مُصَدِّقاً..} [48]
حال {وَمُهَيْمِناً} عطف عليه {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً} رُوِيَ عن ابن عباس أنه قال: الشرعة والمنهاج الاسلام والسنة، وقيل: الشرعة ابتداء الشيء وهو قول لا إله إلا الله، والمنهاج جملة الفرائض، وقيل: هما واحد. ومن أحسن ما قيل فيه أن الشريعة والشرعة واحد وهو ما ظهر من الدين مما يؤخذ بالسمع نحو الصلاة والزكاة وما أشبَهَهُما، ومنه أَشرعتُ باباً الى الطريق، ومنه شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً، ومنه {إذ تَأْتِيهِم حِيتَانُهُم يَوْمَ سبتهم شُرعاً} ومنه طريق شارع، ومنه الشراع والمنهاج الطريق الواضح البين المستقيم فجعل شريعةً وطريقاً بيّناً أي برهاناً واضحاً. ودلّ بهذا على أن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم مخالفة لشريعة موسى صلى الله عليه وسلم {لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً} أي لَجَعَلَ شريعتكم واحدة {وَلَـٰكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ آتَاكُم} في الكلام حذف تتعلق به لام كي أي ولكن جعل شرائعكم مختلفة ليبلوكم أي ليتعبّدكم {فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ} أي فاسبقوا الخيرات من قبل أن تعجزوا عنها أو تموتوا أو يذهب وقتها.
اعراب آيات سورة ( المائدة )
{ وَأَنِ ٱحْكُم بَيْنَهُمْ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ وَٱحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَٱعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ ٱلنَّاسِ لَفَاسِقُونَ }
{وَأَنِ ٱحْكُم بَيْنَهُمْ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ..} [49]
وقد كان خَيّرهُ قبل هذا فنسخ التخيير بالحتم والدليل على أنّ هذا ناسخ وأنّ على الإمام أن يحكم على أهل الكتاب بالحقّ قوله {يا أيُّهَا الذينَ آمَنُوا كُونُوا قَوّامينَ بالقِسْطِ شُهَداء للهِ} {وَأَنِ ٱحْكُم} "أنْ" في موضع نصب عطفا على الكتاب أي وأنزلنا إليك أن احكم بينهم بما أنزل الله أي بحكم الله الذي أنزله إليك في كتابه {وَٱحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ} الهاء والميم في موضع نصب يجب أن يكونَ هذا على قول من قال: حاذِرٌ، ويجوز أن يكون على قول من قال: حَذِرٌ في قول سيبويه وأنشد:
حَذِرٌ أُمُوراً لاَ تَضِيرُ وآمِنٌ * ما لَيسَ مُنْجِيَهُ مِنَ الأقدارِ
{أَن يَفْتِنُوكَ} بدل وإن شئت بمعنى من أن يفتنوك.

{ أَفَحُكْمَ ٱلْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ ٱللَّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ }
{أَفَحُكْمَ ٱلْجَاهِلِيَّةِ..} [50]
نصب بيبغون. والمعنى أنّ الجاهلية كانوا يجعلون حكم الشريف خلاف حكم الوضيع وكانت اليهود تُقيِمُ الحدود على الضعفاء الفقراء ولا يقيمونها على الأقوياء الأغنياء فضارعوا الجاهلية بهذا الفعل. {وَمَنْ أَحْسَنُ} ابتداء وخبر {مِنَ ٱللَّهِ حُكْماً} على البيان.

{ يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ ٱلْيَهُودَ وَٱلنَّصَارَىٰ أَوْلِيَآءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ }
{.. لاَ تَتَّخِذُواْ/ 61 ب/ ٱلْيَهُودَ وَٱلنَّصَارَىٰ أَوْلِيَآءَ..} [51]
مفعولان وتولّيهم مُعَاضدتهم على المسلمين واختصاصهم دونَهم {بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ} ابتداء وخبر. {وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} أي لأنه قد خالف الله تعالى ورسوله كما خالفوا وَوَجَبْتْ معاداته كما وجبت مُعَاداتُهم وَوَجَبَتْ له النار كما وجبت لهم فصار منهم أي من أصحابهم.

اعراب آيات سورة ( المائدة )
{ فَتَرَى ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَىٰ أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ فَعَسَى ٱللَّهُ أَن يَأْتِيَ بِٱلْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُواْ عَلَىٰ مَآ أَسَرُّواْ فِيۤ أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ }
{فَتَرَى ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ..} [52]
أي في موالاتهم {فَعَسَى ٱللَّهُ أَن يَأْتِيَ بِٱلْفَتْحِ} أي بالنصر وهو نصب بأن {فَيُصْبِحُواْ} عطف أي فأصبحوا نادمين على تَولّيهم الكفار إذا رأوا نصر الله عز وجل للمؤمنين وإذا عاينوا عند الموت فَبُشِّرُوا بالعذاب.

{ وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ أَهُـۤؤُلاۤءِ ٱلَّذِينَ أَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُواْ خَاسِرِينَ }
قرأ أهل المدينة وأهل الشام {وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ..} [53] بغير واو مرفوع لأنه فعل مستقبل، وقرأ أبو عمرو وابن أبي إسحاق {وَيَقُولَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ} بالواو والنصب عطفاً على "أَن يأتيَ" عند أكثر النحويين وإِذا كان على هذا كان النصب بعيداً لأنه مثل قولك: عَسَى زيدٌ أن يأتيَ ويَقُومَ عمرو. وهذا بعيد جداً لا يصح المعنى عسى زيد أن يَقُومَ عمرو ولكن لو قلت: عسى أن يَقُومَ زيدٌ ويأتيَ عمرو وكان جيداً ولو كانت الآية عَسَى اللّهُ أن يأتيَ بالفتح كان النصب حسناً وجوازه على أنه يحمل على هذا المعنى مثل قوله:
ورَأيتِ زَوجَك في الوَغَا * مُتَقَلِّداً سَيفاً ورُمْحاً
وفيه قول آخر تعطفه على الفتح كما قال:
لَلُبْسُ عَبَاءَةٍ وتَقَرّ عَيْنِي * أحَبُّ إليّ مِنْ لُبْسِ الشفُوفِ
وقرأ الكوفيون {وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ} بالرفع على القطع من الأول {أَهُـۤؤُلاۤءِ ٱلَّذِينَ أَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ} أي قالوا إنّهم ويجوز أنّهم بأقسموا {فَأَصْبَحُواْ خَاسِرِينَ} أي خاسرين للثواب.

{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي ٱللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لاۤئِمٍ ذٰلِكَ فَضْلُ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }
{يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ..} [54]
هذه قراءة أهل المدينة وأهل الشام، وقرأ أهل الكوفة وأهل البصرة {مَن يَرتَدَّ مِنْكُمْ} بفتح الدال لالتقاء الساكنين، ويجوز كسرها إلا أن الفتح اختيرَ لأنه أخف، وقال الكوفيون: فتح لأنه بُنِيَ على التشبيه من قولك: رَدّاً ولهذا عند الفراء فتح الفعل الماضي، ويَرْتَدِدُ أحسن لأن الحرف الثاني قد سكن. {فَسَوْفَ يَأْتِي ٱللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} في موضع النعت {أَذِلَّةٍ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ} نعت أي يَرؤُفُونَ بهم ويرحمونهم {أَعِزَّةٍ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ} يغلظون عليهم وَيُعادُونَهُم، ويجوز "أذلّةً" بالنصب على الحال أي يُحِبّهم ويُحِبّونَهُ في هذا الحال. {يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لاۤئِمٍ} فدلّ بهذا على تَثبِيتِ امامة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم لأنهم الذين جاهدوا في الله في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد موته. {ذٰلِكَ فَضْلُ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ} ابتداء وخبر {وَٱللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} أي واسع الفضل عليم بمصالح خلقه.
اعراب آيات سورة ( المائدة )
{ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ }
{إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ ٱللَّهُ..} [55]
ابتداء وخبر {وَرَسُولُهُ} عطف {وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ} كذلك ثم نعَتَهُم فقال: {ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ}. قال أبو جعفر: وقد ذكرنا أن محمد ابن علي أبا جعفر سئل عن معنى "إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ" هل هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه؟ فقال: علي من المؤمنين يذهب إلى أن هذا لِجَميعِ المؤمنين وهذا قول بين لأن الذين لِجَماعةِ المؤمنين وهذا في تولّي المؤمنين بعضهم بعضاً وليس هذا من الإِمامةِ في شيء يدلّ على ذلك أن هذا التولّي في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعنى يُقِيمونَ الصلاةَ يأتُونَ بها في أوقاتها بجميع حقوقها كما يقال: فلانٌ قائمٌ بعمله.

{ وَمَن يَتَوَلَّ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلْغَالِبُونَ }
{وَمَن يَتَوَلَّ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ..} [56]
مبتدأ، فقيل الخبر محذوف والتقدير ومن يتولّ الله ورسولَهُ والذين آمنوا فهو من حزب الله وقيل {هُمُ} الخبر و {ٱلْغَالِبُونَ} خبر ثان.

{ يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِّنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَٱلْكُفَّارَ أَوْلِيَآءَ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ }
{يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً..} [57]
وهذه قراءة أهل المدينة، وقرأ أهل الكوفة {هُزْؤاً} حذفوا الضمة لِثِقَلِهَا فإِن خَفّفتَ الهمزة على قراءة أهل المدينة/ 62 أ/ قَلَبتَها واواً فقلت "هُزُواً" وإِن خَفّفتَها على قراءة أهل الكوفة قلت "هُزاً" مثل "هُدًى". {مِّنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَٱلْكُفَّارَ أَوْلِيَآءَ} هذه قراءة أهل الحرمين وأهل الكوفة أي ولا تَتّخِذُوا الكفار أولياء، وقرأ أبو عمرو والكسائي {وَٱلْكُفَّارِ أَوْلِيَآءَ} بمعنى ومن الكفارِ و {مِنْ} ههنا لبيان الجنس والنصب أَوضحُ وأَبيَنُ.
اعراب آيات سورة ( المائدة )
{ قُلْ يَـٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّآ إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ }
{.. هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّآ..} [59]
وتدغم اللام في التاء لقربها منها {إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِٱللَّهِ} في موضع نصب أي هل تنقمون منا إلاّ إِيمانَنا بِهِ وقد عَلِمتُم أنّا على الحقِّ وفِسْقكُم في تَركِكُمُ الايمانَ.

{ قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِّن ذٰلِكَ مَثُوبَةً عِندَ ٱللَّهِ مَن لَّعَنَهُ ٱللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ ٱلْقِرَدَةَ وَٱلْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ ٱلطَّاغُوتَ أُوْلَـٰئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ عَن سَوَآءِ ٱلسَّبِيلِ }
{قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِّن ذٰلِكَ..} [60]
أي بِشرّ من نقمتكم علينا، وقيل: من شَرّ ما تُريدُونَ لنا من المكروه {مَثُوبَةً} على البيان وأصلها مَفْعُولَةٌ فألقِيَتْ حركة الواو على الثاء فَسكنَت الواو وبعدها واو ساكنة فَحُذِفَتْ احداهما {مَن لَّعَنَهُ ٱللَّهُ} في موضع رفع كما قال عز وجل "بِشّرٍ منْ ذَلكُمُ النار" والتقدير: هو لَعْنُ مَنْ لَعَنَهُ الله، ويجوز أن يكونَ في موضع نصب بمعنى قُلْ هَلْ أنَبئُكم من لعنه الله، ويجوز أن يكون في موضع خفض على البدل من شَرّ وقد ذكرنا {وَعُبَدَ ٱلطَّاغُوتِ} والقراءات فيه، ويجوز على قراءة الأعمش {وَعُبُدَ ٱلطّاغوت} بحذف الضمة لثقلها ويجوز على قراءة حمزة {وعَبُدَ ٱلطاغوتِ} بحذف الضمة أيضاً وبنصبه على الذم وان شئت كان منصوباً بمعنى وجعل منهم أي وصفهم بهذا، ويجوز الرفع بمعنى وهم ويجوز الخفض عطفاً على {مَنْ} إذا كانت في موضع خفض {أُوْلَـٰئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً} يقال: ليس في المؤمنين شرّ فكيف جاء أولئك شرّ مكاناً ففي هذا أجوبة حكى الكوفيون: العَسَلُ أحلى من الخَلِّ، وان كان مردوداً، وقال أبو اسحاق: المعنى أولئك شرّ مكاناً على قولكم. ومن حَسَنِ ما قيل فيه: أولئك الذين لَعَنَهُمُ الله شر مكاناً في الآخرة من مكانكم في الدنيا لِمَا لحقكم من الشر، وقيل: أولئك الذين نسيهم الله شرّ من الذين نقموا عليكم، وقيل: أولئك الذين نقموا عليكم شرّ من الذين لعنهم الله.

{وَإِذَا جَآءُوكُمْ قَالُوۤاْ آمَنَّا وَقَدْ دَّخَلُواْ بِٱلْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُواْ بِهِ وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُواْ يَكْتُمُونَ }
{.. وَقَدْ دَّخَلُواْ..} [61]
أي بالابغاض للنبي صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين وتَمنّى هَلاكِهِمْ وخرجوا مُنطَوينَ عليه {وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُواْ يَكْتُمُونَ} من الكفر.
اعراب آيات سورة ( المائدة )
{ وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ يَدُ ٱللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَآءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِّنْهُم مَّآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ ٱلْعَدَاوَةَ وَٱلْبَغْضَآءَ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ كُلَّمَآ أَوْقَدُواْ نَاراً لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا ٱللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي ٱلأَرْضِ فَسَاداً وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُفْسِدِينَ }
{.. غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ..} [64]
اسم ما لم يُسمّ فاعله حُذِفَتِ الضمةُ من الياء لثقلها أي غُلَّت في الآخرة، ويجوز أن يكون دعاءاً عليهم، وكذا {وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} ابتداء وخبر. قال الأخفش وفي قراءة عبد الله {بل يَدَاهُ بُسْطَانِ}. قال الأخفش: يقال: يد بُسْطَةٌ اي مُنطلقَةٌ مُنْبَسِطةٌ. {وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِّنْهُم} لام قسم {كُلَّمَآ أَوْقَدُواْ نَاراً} ظرف أي كلّما جمعوا وأَعدُّوا.

{ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ ٱلْكِتَٰبِ ءَامَنُواْ وَٱتَّقَوْاْ لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأَدْخَلْنَٰهُمْ جَنَّٰتِ ٱلنَّعِيمِ * وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ ٱلتَّوْرَاةَ وَٱلإِنْجِيلَ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيهِمْ مِّن رَّبِّهِمْ لأَكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ سَآءَ مَا يَعْمَلُونَ }
{وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ ٱلْكِتَابِ..} [65]
"أن" في موضع رفع، وكذا {وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ ٱلتَّوْرَاةَ..} [آية 66].

{ يَـٰأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَٱللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ ٱلنَّاسِ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْكَافِرِينَ }
{يَـٰأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ..} [67]
[أي كلّ ما أُنزِلَ من ربك] {وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ} شرط وجوابه {فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالاتِهِ} هذه قراءة أهل المدينة. وقرأ أبو عمرو وأهل الكوفة والكسائي {رِسالَتَهُ} على واحدة والقراءتان حسنتان إِلا أن الجمع أبينُ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينزل عليه الوحي شيئاً شيئاً ثم يبينه. {وَٱللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ ٱلنَّاسِ} دلالة على نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن الله جل وعز خبّر أنه معصوم، وفي هذه الآية دلالة على ردّ قول من قال: إِن النبي صلى الله عليه وسلم كتم شيئاً من أمر الدين تَقِيةً، ودلالة على أنه لم يُسِرَّ إلى أحد شيئاً من أمر الدين لأن المعنى بَلّغ كل ما أنزل إليك ظاهراً ولولا هذا ما كان في قوله جل وعز {وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالاتِهِ} فائدة.

اعراب آيات سورة ( المائدة )
{ إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلصَّابِئُونَ وَٱلنَّصَارَىٰ مَنْ آمَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وعَمِلَ صَالِحاً فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ }
{إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ..} [69]
اسم إِن {وَٱلَّذِينَ هَادُواْ} عطف عليه {وَٱلصَّابِئُونَ} وقرأ سعيد بن جبير {والصابئين} بالنصب، والتقدير إِن الذين آمنوا والذين هادوا مَنْ/62/ب آمن بالله منهم وعمل صالحاً فلهم أجرهم والصابئون والنصارى كذلك. وأنشد سيبويه وهو نظير هذا:
وإِلاّ فاعلَمُوا أَنّا وأَنْتُمُ * بُغَاةٌ ما بَقِينَا في شِقاقِ
وقال الكسائي والأخفش ذكره في "المسائل الكبير" و "الصابئون" عطف على المضمر الذي في هادوا، وقال الفراء إنما جاز الرفع لأن الذين لا يبينُ فيه الاعراب. قال أبو جعفر: وسَمِعتُ أبا اسحاق يقول، وقد ذُكِرَ له قول الأخفش والكسائي: هذا خطأ من جهتين: أحدهما أن المضمر المرفوع يقبح العطف عليه حتى يُؤكّدَ، والجهة الأخرى أن المعطوف شريك المعطوف عليه فيصير المعنى إِن الصابئين قد دخلوا في اليهودية وهذا محال وسبيل مالا يَتَبَيّنُ فيه الاعراب وما يَتبيّن فيه واحدة.

{ لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَآ إِلَيْهِمْ رُسُلاً كُلَّمَا جَآءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَىٰ أَنْفُسُهُمْ فَرِيقاً كَذَّبُواْ وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ }
{.. فَرِيقاً كَذَّبُواْ..} [70]
أي كذبوا فريقاً وكذلك {وَفَرِيقاً يَقْتُلُونَ}.

{ وَحَسِبُوۤاْ أَلاَّ تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُواْ وَصَمُّواْ ثُمَّ تَابَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُواْ وَصَمُّواْ كَثِيرٌ مِّنْهُمْ وَٱللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ }
{وَحَسِبُوۤاْ أَلاَّ تَكُونَ فِتْنَةٌ..} [71]
هذه قراءة الكوفيين وأبي عمرو والكسائي، وقرأ أهل الحرمين بالنصب. قال سيبويه: حَسبتُ أن لا تقولُ ذاك أي حَسِبتُ أنه قال: وإِن شئت نصبت. قال أبو جعفر: الرفع عند النحويين في حَسبتُ وأخواتها أجود كما قال:
أَلا زَعمَتْ بَسْبَاسَةُ اليَومَ أَنَّنِي * كَبِرتُ وأنْ لا يَشْهدُ اللّهْوَ أَمثالي
وإنما صار الرفع أجود لأن حَسبتُ واخواتها بمنزلة العلم في أنه شيء ثابت وإِنما يجوز النصب على أنْ تجعلهنّ بمنزلة خَشِيتُ وخِفْتُ هذا قول سيبويه في النصب {فِتْنَة} اسم تكون. والفتنة: الاختبار فان وَقَعَتْ لغيره فذلك مجاز والمعنى وحَسبُوا أن لا يكون عقاب {فَعَمُواْ وَصَمُّواْ ثُمَّ تَابَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُواْ وَصَمُّواْ كَثِيرٌ مِّنْهُمْ} ولم يقل: عَمِيَ وصمّ والفعل متقدّم ففي هذا أجوبة: منها أن يكون كثير منهم بدلاً من الواو. قال الأخفش سعيد: كما تقول رأيتُ قَومَكَ ثُلثَيْهِم، وان شئت كانت على إضمار مبتدأ أي العُمْيُ والصُمُّ منهم كثير، وجواب رابع يكون على لغة من قال: أكلوني البراغيث. قال الأخفش: يجوز أن يكون هذا منها وأنشد:
ولكِنْ دِيَا فيُّ أَبُوهُ وأمُّهُ * بِحَوْرانَ يَعْصِرنَ السَلِيط أقاربُهْ
ويجوز في غير القرآن كثيراً بالنصب نعتاً لمصدر محذوف.

اعراب آيات سورة ( المائدة )
{ لَقَدْ كَفَرَ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ ٱلْمَسِيحُ يَابَنِيۤ إِسْرَائِيلَ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ ٱللَّهُ عَلَيهِ ٱلْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ ٱلنَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ }
{لَقَدْ كَفَرَ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ مَرْيَمَ..} [72]
وهذا قول اليَعْقُوبِيَّة فردّ الله جل وعز ذلك عليهم بحجّةٍ قاطعة مما يقِرّونَ به فقال {وَقَالَ ٱلْمَسِيحُ يَابَنِيۤ إِسْرَائِيلَ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ} أي إذا كان المسيح يقول: يا رَبّ ويا الله فكيفَ يدعو نفسَهُ أم كيف يَسألها هذا محال.

{ لَّقَدْ كَفَرَ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَـٰهٍ إِلاَّ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }
{لَّقَدْ كَفَرَ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ..} [73]
هذا المعنى أحد ثلاثة ولا يجوز فيه التنوين فان قلت: ثالث اثنين جاز التنوين {وَمَا مِنْ إِلَـٰهٍ إِلاَّ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ} {مِنْ} زائدة ويجوز في غير القرآن إِلا إِلهاً واحداً على الاستثناء، وأجاز الكسائي الخفض على البدل وذلك خطأ عند الفراء والبصريين لأن "من" لا تدخل في الايجاب.

{ مَّا ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ ٱلرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ ٱلطَّعَامَ ٱنْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ ٱلآيَاتِ ثُمَّ ٱنْظُرْ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ * قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً وَٱللَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ }
{مَّا ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ ٱلرُّسُلُ..} [75]
ابتداء وخبر أي إِن المسيح صلى الله عليه وسلم وإن أظهر الآيات فإِنما جاء بها كما جاءت الرسل. {وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ} ابتداء وخبر. {كَانَا يَأْكُلاَنِ ٱلطَّعَامَ} أي فاذا كانا يأكلان الطعام فَهُمَا مُحْدِثَانِ وقال محمد بن يزيد: معنى كانا يأكلان الطعامَ كانا يُحْدِثَانِ فَكَنَى الله تعالى عن ذلك وكان في هذا دلالة على أنّهما بَشَرانِ قال الله تعالى {ٱنْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ ٱلآيَاتِ ثُمَّ ٱنْظُرْ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ} أي كيف يُصْرَفُونَ عن الحقِّ بَعدَ هذا البيان زادهم في البيان فقال: {قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً..} /63 أ/ [76]
أي أنتم مُقرّونَ أن عيسى كان جنيناً في بطن أُمّهِ لا يملك لأحد ضَرّاً ولا نفعاً {وَٱللَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ} أي أنتم قد أقررتم أنّ عيسى كان في حال من الأحوال لا يسمع ولا يعلم والله جل وعز لم يزل سميعاً عليماً.

اعراب آيات سورة ( المائدة )
{ قُلْ يَـٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ ٱلْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعُوۤاْ أَهْوَآءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيراً وَضَلُّواْ عَن سَوَآءِ ٱلسَّبِيلِ }
{قُلْ يَـٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ..} [77]
أي لا تفرطوا كما أفرطت اليهود والنصارى في عيسى {وَلاَ تَتَّبِعُوۤاْ أَهْوَآءَ قَوْمٍ} جمع هَوًى وهكذا جمع المقصور على نظيره من السالم، وقيل: هوًى لأنه يَهوِي بصاحبه في الباطل.

{ لُعِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ ذٰلِكَ بِمَا عَصَوْا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ }
{لُعِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ..} [78]
اسم ما لم يسم فاعله وبعض العرب يقول: الّذونَ {عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ} أي أمر بِلَعْنِهِمْ فَلَعَنّاهُمْ ولم ينصرف داود عليه السلام لأنه اسم أعجميّ لا يحسنُ في الألف واللام فإن حَسُنَتْ في مثله ألف ولام انصرف نحو طاوس وراقود. {ذٰلِكَ} في موضع رفع بالابتداء أي ذلك اللعن {بِمَا عَصَوْا}، ويجوز أن يكون في موضع نصب أي فعلنا ذلك بهم بعصيانهم واعتدائهم.

{ كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ }
{كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ..} [79]
مرفوع لأنه فعل مُسْتَقْبَلٌ وهو في موضع نصب لأنه خبر كان {لَبِئْسَ} لام توكيد. قال أبو اسحاق: المعنى لبئس شيئاً فِعلُهُمْ.


اعراب آيات سورة ( المائدة )
{ تَرَىٰ كَثِيراً مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي ٱلْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ }
{تَرَىٰ كَثِيراً مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ..} [80]
هم اليهود كانوا يَتَولّون المشركين وليسوا على دينهم {لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ} {أن} في موضع رفع على اضمار مبتدأ، وقيل: بدل مما في "لبِئْسَ مَا"، ويجوز أن يكون في موضع نصب بمعنى لأن سخط الله. {وَفِي ٱلْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ} ابتداء وخبر.

{ وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالله والنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَآءَ وَلَـٰكِنَّ كَثِيراً مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ }
{وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالله والنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَآءَ..} [81]
فدلّ بهذا على أنّ من اتّخَذَ كافراً ولياً فليس بمؤمن.

{ لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ ٱلنَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ ٱلْيَهُودَ وَٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ إِنَّا نَصَارَىٰ ذٰلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ }
{لَتَجِدَنَّ..} [82]
لام قسم ودخلت النون على قول الخليل وسيبويه فَرقاً بين الحال والمستقبل {أَشَدَّ ٱلنَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ ٱلْيَهُودَ} مفعولان و {عَداوَةً} على البيان وكذا {وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ إِنَّا نَصَارَىٰ} وفي هذا قولان: أحدُهما أنهم لم يكونوا نصارى على الحقيقة ولا يجوز أن يمدح الله تعالى كافراً وإنما هم قوم كانوا يؤمنون بعيسى ولا يقولون: إِنه إِلهٌ فسمّوا بالنصارى قبل أن يُسْلِمُوا والقول الآخر أن المعنى الذين قالوا إِنا نصارى {ذٰلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ} اسم أن ويقال في جمع قسيس مكسراً قساوسة أبدل من إِحدى السينَيْن واو، ويقال قَسٌّ بمعناه وجمعه قُسُوسٌ ويقال للنميمة أيضاً قسٌّ. وقد قَسَّ الحديث قَسّاً. ورهباناً جمع راهب والفعل منه رَهِبَ الله يَرهَبُ أي خافه رَهَباً رُهْبَاناً ورَهْبَةً. قال أبو عبيد: ويقال: رُهْبَان للواحد. قال الفراء: جمعه رهابنة ورهابين {وَأَنَّهُمْ} في موضع خفض عطفاً.

اعراب آيات سورة ( المائدة )
{ وَإِذَا سَمِعُواْ مَآ أُنزِلَ إِلَى ٱلرَّسُولِ تَرَىۤ أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ ٱلدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ ٱلْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَآ آمَنَّا فَٱكْتُبْنَا مَعَ ٱلشَّاهِدِينَ }
{وَإِذَا سَمِعُواْ مَآ أُنزِلَ إِلَى ٱلرَّسُولِ تَرَىۤ أَعْيُنَهُمْ..} [83]
وأجاز سيبويه في الشعر الجزم بإِذا. {تَفِيضُ} في موضع نصب على الحال وكذا {يَقُولُونَ}.

{ وَمَا لَنَا لاَ نُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَمَا جَآءَنَا مِنَ ٱلْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَن يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ ٱلْقَوْمِ ٱلصَّالِحِينَ }
{وَمَا لَنَا لاَ نُؤْمِنُ بِٱللَّهِ..} [84]
في موضع نصب على الحال أي شيء لنا في هذه الحال.

{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُعْتَدِينَ }
{يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ..} [87]
في موضع رفع نعت لأي {لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكُمْ} جزم على النهي فلذلك حذفت منه النون وكذا {وَلاَ تَعْتَدُوۤاْ}.
اعراب آيات سورة ( المائدة )
{ وَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ حَلَـٰلاً طَيِّباً وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِيۤ أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ }
{.. وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ..} [88]
في موضع نصب نعت {أَنتُمْ} ابتداء {مُؤمِنُونَ} خبر، وهما صلة الذي وعادت اليه الهاء التي في {به}.

{ لاَ يُؤَاخِذُكُمُ ٱللَّهُ بِٱللَّغْوِ فِيۤ أَيْمَانِكُمْ وَلَـٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ ٱلأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذٰلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَٱحْفَظُوۤاْ أَيْمَانَكُمْ كَذٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }
قرأ أبو عمر وأهل المدينة {.. وَلَـٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ ٱلأَيْمَانَ..} [89] بالتشديد، وقرأ أهل الكوفة والكسائي {بما عَقَدْتُمْ} بالتخفيف. وأنكَرَ أبو عبيد التشديد. قال: لأنه للتكرير، وزعم أنه يخاف أن يلزم من قرأ به أن لا يُوجِبَ الكفّارة حتى يَحْلِفَ مراراً قال: وهذا خارج من قول/ 63 ب/ الناس. قال أبو جعفر: هذا لا يلزَم وفي التشديد قولان: قال أبو عمرو: عَقّدتُمْ وكّدتُمْ أي فكما تقول: وكّدتُم فكذا تقول: عَقّدتُم ومعنى عَقّدتُ اليمينَ ووكّدتُها أن يَحلِفَ الحالف على الشيء غيرَ غالط ولا ناس، وقيل: عَقّدتُم لأنه لجماعة {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ} ابتداء وخبر ويجوز تنوين اطعام ونصب عشرة بغير تنوين وبتنوين على أن يكون "مساكين" في موضع نصب على البدل. {مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} ألبيّنُ في هذا أن يكون ما تطعمون ليس بالرفيع ولا بآلدّون {أهلِيكُمْ} في موضع نصب وعلامة النصب فيه الياء وحذفت النون للاضافة. {أَوْ كِسْوَتُهُمْ} عطف على إطعام وكذا {أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} ويجوز "أو تَحرِيرٌ رقَبَةً"، وكذا {فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ} والتقدير فعليه. {ذٰلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ} ابتداء وخبر والتقدير إذا حلفتم وحنثتم ثم حذف. {وَٱحْفَظُوۤاْ أَيْمَانَكُمْ} أمر الله جل وعز، بحفظ الأيمان وترك التهاون بها حتى تُنْسَى ليذكرها ويقوم فيها بما يجب عليه من كفارة أو غيرها. {كَذٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ} الكاف في موضع نصب أي يُبَيِّنُ لكم آياته بياناً مِثلَ ما بيّنَ لكم في كفارة اليمين.

{ يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا ٱلْخَمْرُ وَٱلْمَيْسِرُ وَٱلأَنصَابُ وَٱلأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ ٱلشَّيْطَانِ فَٱجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }
{.. إِنَّمَا ٱلْخَمْرُ وَٱلْمَيْسِرُ وَٱلأَنصَابُ وَٱلأَزْلاَمُ رِجْسٌ..} [90]
الخمر عند العرب عصير العنب إذا اشتد ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "كل سُكر خمر" فجعله بمنزلة هذه التي تعرفها العرب بالخمر والأنصاب: الأوثان والأزلام القداح، والتقدير واستعمال الأزلام {رِجْسٌ} خبر الابتداء. والرجل عند العرب كلّ عمل يقبح فعله والفعل منه رَجِسَ يَرجَسُ ورَجَسَ يَرجُسُ، والرَجْسَ بفتح الراء واسكان الجيم الصوت والفعل من الميسر. يَسَرَ يَيْسِرُ فهو ياسِرٌ ويَسَرٌ. {فَٱجْتَنِبُوهُ} يكون فاجتنبوا الرجس، ويكون فاجتنبوا هذا الفعل ويكون لأحد هذه الأشياء، ويكون باقيها داخلاً فيما دخل فيه.
اعراب آيات سورة ( المائدة )
{ لَيْسَ عَلَى ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوۤاْ إِذَا مَا ٱتَّقَواْ وَآمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَواْ وَآمَنُواْ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّأَحْسَنُواْ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ }
{لَيْسَ عَلَى ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوۤاْ..} [93]
أي من الحلال ودلّ على هذا {إِذَا مَا ٱتَّقَواْ} فأما التكرير في قوله: "إِذَا مَا ٱتَّقَواْ" "ثُمَّ اتَّقَواْ" ففيه أقوال: منها أن يكون المعنى: إذا ما اتقَوا الكفرَ ثم آمنُوا وعَمِلوا الصالحات ثم اتقوا المعاصي ثم اتقَوا ظلم الناس ودل على هذا {وَّأَحْسَنُواْ} وقيل: إذا ما اتقوا فيما مضى وصَلُحَتْ "إذا" لما مضى على اضمار كانوا ثم اتقوا للحال ثم اتقوا في المستقبل، وقيل "إذا اتقوا" للحال "ثُمَّ اتَّقَواْ" للمستقبل ثم اتقوا أقاموا على التقى، وقيل: إذا اتقَوا الكفر ثم اتقَوا الكبائر ثم اتقَوا الصغائر.

{ يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لَيَبْلُوَنَّكُمُ ٱللَّهُ بِشَيْءٍ مِّنَ ٱلصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ ٱللَّهُ مَن يَخَافُهُ بِٱلْغَيْبِ فَمَنِ ٱعْتَدَىٰ بَعْدَ ذٰلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ }
{.. لَيَبْلُوَنَّكُمُ ٱللَّهُ بِشَيْءٍ مِّنَ ٱلصَّيْدِ..} [94]
لام قسم وفي دخول "مِنْ" ثلاثة أجوبة تكون لبيان الجنس كما تقول: لأمتَحِنَنّكَ بِشَيء من الذهب وكما قال سيبويه: "هذا بابُ عِلْمِ ما الكَلِمُ من العربيّة" ويجوز أن تكون "من" للتبعيض لأن المحرم صيد البرّ خاصة، ويجوز أن يكون التبعيض لأن الصيد انما مُنِعَ في الاحرام خاصة. وواحد الحُرُمِ حرام أي مُحْرِمَ ومحرم يقع على ضربين أحدُهُمَا بالحجّ أو العُمْرَةِ، والآخر أنه يقال: أحَرمَ إذا دخَلَ الحَرَم {لِيَعْلَمَ ٱللَّهُ} لام كي.

{ يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ ٱلصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّداً فَجَزَآءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ ٱلنَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ هَدْياً بَالِغَ ٱلْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَو عَدْلُ ذٰلِكَ صِيَاماً لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا ٱللَّهُ عَمَّا سَلَف وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ ٱللَّهُ مِنْهُ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ ذُو ٱنْتِقَامٍ }
{.. وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّداً..} [95]
شرط والجواب {فَجَزَآءٌ مِّثْلِ مَا قَتَلَ مِنَ ٱلنَّعَمِ} وهذه قراءة أهل المدينة وأبي عمرو، وقرأ أهل الكوفة {فَجَزَآءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ ٱلنَّعَمِ} وروى هارون ابن حاتم عن ابن عياش عن عاصم {فَجَزَآءٌ مِّثْلَ مَا قَتَلَ} ينصب "مثل".
قال الكسائي: وفي حرف عبد الله {فَجَزآؤُهُ مِثلُ ما قَتَل} فقراءة المدنيين وأبي عمرو بمعنى فعليه جَزاء مِثلِ ما قتل، ويجوز أن يكون هذا على قراءة الكوفيين أيضاً ويكون "مثل" نعتاً لجزاء، ويجوز أن يكون "جزاء" مرفوعاً بالابتداء وخبره "مثلُ ما قَتَل" والمعنى فجزاء فعله مثل ما قتل ومن نصب "مثلاً" فتقديره فعليه أن يَجزِيَ مثلَ ما قتلَ {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ} تثنية ذو على الأصل {هَدْياً} نصب على الحال من الهاء التي في "به" ويجوز أن يكون/ 64 أ/ على البيان، ويجوز أن يكون مصدراً، وقرأ الأعرج {هديّا} بتشديد الياء وهي لغة فصيحة {بَالِغَ ٱلْكَعْبَةِ} أصله بالغاً الكعبة لأنه نعت لنكرة {أَوْ كَفَّارَةُ طَعَامُ مَسَاكِينَ} هذه قراءة أهل المدينة على اضافة الجنس وقراءة أبي عمرو وأهل الكوفة {أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ} قال أبو عبيد: لأن الطعام هو الكفارة، وهو عند البصريين على البدل. {أَوْ كَفَّارَة} معطوفة على جزاء أي أو عليه كفارة. {أَو عَدْلُ ذٰلِكَ} قد ذكرناه {صِيَاماً} على البيان {لِّيَذُوقَ} بلام كي. {وَمَنْ عَادَ} في موضع جزم بالشرط إلا أنه فعل ماض مبني على الفتح {فَيَنْتَقِمُ ٱللَّهُ مِنْهُ} فعل مستقبل وفيه جواب الشرط.
اعراب آيات سورة ( المائدة )
{ أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ ٱلْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعاً لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ ٱلْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِيۤ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ }
{أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ ٱلْبَحْرِ..} [96]
اسم ما لم يسم فاعله {وَطَعَامُهُ} عطف عليه. وقد ذكرنا معناه ومن أحسن ما قيل فيه أن الله تعالى أحل صيدَ البحر وأكلَهُ وقد قيل: طعامُهُ الماء لأنه يَتَطعّمُ، وقرأ ابن عباس {وطُعْمُهُ} بضم الطاء وإسكان العين. {مَتَاعاً} منصوب على أنه مصدر لأن معنى أحل لكم هذا مُتِّعْتم به متاعاً، ونظيره "كِتَابَ الله عليكم". ما دُمْتُم حرما ويقال: "دِمْتُم" والضم أفصح.

{ جَعَلَ ٱللَّهُ ٱلْكَعْبَةَ ٱلْبَيْتَ ٱلْحَرَامَ قِيَٰماً لِّلنَّاسِ وَٱلشَّهْرَ ٱلْحَرَامَ وَٱلْهَدْيَ وَٱلْقَلاَئِدَ ذٰلِكَ لِتَعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَأَنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }
{جَعَلَ ٱللَّهُ ٱلْكَعْبَةَ..} [97]
مفعول أول، وقيل لها كعبة لتربيع اعلاها {ٱلْبَيْتَ ٱلْحَرَامَ} بدل {قِيَاماً} مفعول ثان وقرأ ابن عامر وعاصم الجحدري {قِيَماً لِّلنَّاسِ} وهما من ذوات الواو فَقُلِبَت الواو ياءاً لكسرة ما قبلها، وقد قيل: قِوَام {وَٱلشَّهْرَ ٱلْحَرَامَ وَٱلْهَدْيَ وَٱلْقَلاَئِدَ} عطف. {ذٰلِكَ} في موضع رفع أي الأمر ذلك ويجوز أن يكون في موضع نصب أي فَعَلَ الله ذلك {لِتَعْلَمُوۤاْ} لام كي {أَنَّ ٱللَّهَ} في موضع نصب.

{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَآءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ ٱلْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا ٱللَّهُ عَنْهَا وَٱللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ }
{يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَآءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ..} [101]
"أشياء" لا تنصرف وللنحويين فيها أقوال: قال الخليل وسيبويه رحمهما الله والمازني: أصلها فَعْلاء شَيْئَاء فاستُثْقِلَتْ همزتان بينهما ألف فَقُلِبَتِ الأولى فصارت لَفْعَاء، وقال الكسائي وأبو عبيد: لم تنصرف لأنها أشبهتْ حمراء لقول العرب: أشياوات مثل حمراوات، وقال الأخفش والفراء والزيادي: لم تنصرف لأنها أفعلاء أشِيئاء على وزن أشِيعَاع كما يقال: هَيْنٌ وأهْوِنَاء. قال أبو حاتم: أشياء أفعال مثل أنباء وكان يجب أن تنصرف إلا أنّها سمعت عن العرب غيرَ معروفة فاحتال لها النحويون باحتيالات لا تصح. قال أبو جعفر: أصح هذه الأقوال قول الخليل وسيبويه والمازني ويلزم الكسائي وأبا عبيد ألاّ يصرفا أسماء وأبناء لأنه يقال فيهما: أبناوات وأسماوات حدثني أحمد بن محمد الطبري النحوي يُعرف بابن رستم عن أبي عثمان المازني قال: قلت للأخفش: كَيفَ تصغّر أشياء؟ فقال: أشَيّاء فقلت له: يجب على قولك أن تُصِغّر الواحد ثم تجمعه فانقطع. قال أبو جعفر وهذا كلام بَيّنٌ لأن أشياء لو كانت أفعِلاء ما جاز أن تَصغَّرَ حتى تَردِّ الى الواحد، وأيضاً فإِن فعلا لا يجمَعُ على أفعلاء، وإمَّا أن يكون أفعالاً على قول أبي حاتم فمحال لأن أفعالا لا يمتنع من الصرف وليس شيء يمتنع من الصرف لغير عِلّة، والتقدير لا تسألوا عن أشياء عفا الله عنها إن تُبدَ لكم تسؤكم، وأحسنُ ما قيل في هذا ما رواه أبو هريرة رحمه الله أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: مَنْ أبِي؟ فأنزل الله تعالى يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء ان تُبد لكم تسؤكم فالمعنى على هذا لا تسألوا عن أشياء مستورة قد عفا الله عنها بالتوبة إن تُبْد لكم تسؤكم وعلم الله جل وعز أن الصلاح لهم أن لا تسألوا عنها، وقيل هذه أشياء عفا الله عنها كما قال النبي صلى الله عليه وسلم "الحلالُ بيّنٌ والحرام بيّن وأشياء سكت الله عز وجل عنها هي عفو" ومعنى سكت الله عنها لم يَنهَ عنها.
اعراب آيات سورة ( المائدة )
{ قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِّن قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُواْ بِهَا كَافِرِينَ }
{قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِّن قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُواْ بِهَا كَافِرِينَ..} [102]
أي ردوا على أنبيائهم فقالوا ليس الأمر كما قلتم.

{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَّن ضَلَّ إِذَا ٱهْتَدَيْتُمْ إِلَى ٱللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ }
{يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ ..} [105]
اغراء لأن معنى عليكم الزموا {لاَ يَضُرُّكُمْ مَّن ضَلَّ} خبر ويجوز أن يكون جزما على الجواب أو على النهي يُرادُ به المخاطبون كما يقال: لا أرينَّكَ/ 64/ ب ههنا واذا كان جزماً جاز ضمه وفتحه وكسره، وحكى الأخفش {لا يضِرْكُم} جزماً من ضار يَضيرُ.

{ يِآ أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ حِينَ ٱلْوَصِيَّةِ ٱثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي ٱلأَرْضِ فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ ٱلْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعْدِ ٱلصَّلاَةِ فَيُقْسِمَانِ بِٱللَّهِ إِنِ ٱرْتَبْتُمْ لاَ نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ وَلاَ نَكْتُمُ شَهَادَةَ ٱللَّهِ إِنَّآ إِذَاً لَّمِنَ ٱلآَثِمِينَ }
{يِا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ..} [106]
من أشكل آية في القرآن وقد ذكرنا فيها أقوالاً للعلماء، ونذكر ههنا.
أحسن ما قيل فيها حدثنا الحسن بن آدم بن عبد الله بن محمد بن عبد العزبز قال: حدثنا أبو زيد هارون بن محمد يُعَرفُ بابن أبي الهيذام قال حدثني أبو مسلم الحسن بن أحمد بن أبي شُعَيْب الحراني قال حدثنا محمد بن سلمة قال: حدثنا محمد بن اسحاق عن أبي النَّضر عن باذان مولى أم هانئ ابنة أبي طالب عن ابن عباس عن تميم الداريّ في هذه الآية: "يِا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ" قال: برئ الناس منها غَيري وغير عَدي بن بَدّاء وكانا نصرانيين يختلفان الى الشام قُبَيلَ الاسلام فأقبلا من الشام بتجارتهما وقدم عليهما مولى لبني سَهْم يقال له: بُدَيْل بن أبي مريم بتجارة ومعه جام من فضّة يريد به الملك وهو مال عظيم قال: فمرض فأوصى إليهما وأمرهما أن يُبلّغا ما ترك أهَلَه قال تميم: فَلما مات أخذنا ذلك الجام فبعناه بألف درهم واقتسمناه اليهما أنا وعدي بن بداء قال: فلما قدمنا إلى أهله دفعنا إليهم ما كان معنا وفَقَدُوا الجام فسألوا عنه فقلنا ما ترك غَيرَ هذا وما دفع الينا غَيرَهُ قال تميم: فلما أسلمتُ بعد قدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة تأثمتَ من ذلك فأتيتُ أهلهُ فأخبرتهم الخبر وأديتُ اليهم خمسمائة درهم وأخبرتهم أن عِندَ صاحبي مِثلَها فوثبوا اليه وأتوا به النبي صلى الله عليه وسلم فسألهم البَيّنَةِ فلم يجدوا بأمرهم أن يستحلفوه بما يَعظُمُ به على أهل دينه فَحَلفَ فأنزل الله عز وجل "يِا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ" إلى قوله جل وعز: "أو يَخَافُوا أن تُرَدّ أَيمان بَعْدَ أيمانِهم" فقام عمرو بن العاص ورجل آخر منهم فحلفا فَنُزِعَتْ خمسمائة الدرهم من عدي بن بداء، وحدثنا الحسن بن آدم قال: حدثنا أبو يزيد قال حدثني أبو زائدة زكرياء بن يحيى بن أبي زائدة قال: وجدت في كتاب أبي بخَطهِ حدثني محمد بن القاسم عن عبد الملك به سعيد بن جبير عن أبيه عن ابن عباس أن تميماً الداريّ وعديّ بن بدّاء كانا يختلفان إلى مكة في تجارة فخرج معهما رجل من بني سَهْم ببضاعة فَتُوفّي بأرض ليس فيها مسلم فأوصى إليهما فجاءا بتركتِهِ فدفعوها إلى أهله وحبسوا عنهم جاما من فضة مُخَوصاً بالذهب قالوا: لم نره فأتوا بهما النبي صلى الله عليه وسلم فأمر بهما فَحَلفَا بالله عز وجل ما كتمنا ولا ظلمنا فخلّى سبيلهما ثم ان الجام وجِدَ بمكة زعموا أنهم اشتروه من عدي وتميم فقام رجل من أولياء السَّهْميّينَ فحلفَ بالله أن الجام لَجامُ السهمي ولَشَهادتنا أحقّ من شهادتهما وما اعتدينا إنا إذا لمن الظالمين ثم أخذوا الجام وفيهم أنزلتْ هذه الآية {شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ} رفع بالابتداء، وخبره {ٱثْنَانِ} والتقدير شهادة اثنين مثل "وسئل القرية" ويجوز أن يكون اثنان رفعاً بفعلهما أي ليكُن منكم أن يشهد اثنان، وقيل: "شهادة" رفع بإذا حضر لأنها شهادة مستأنفة ليست واقعة لكل الخلق أي عِندَ حضور الموت والاثنان مرفوعان عند قائل هذا القول بمعنى أن يشهد اثنان {ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ} نعت {أَوْ آخَرَانِ} عطف {مِنْ غَيْرِكُمْ}. قال أبو جعفر: وقد ذكرنا ما فيه وأنه قيل: من غيركم من غير أهل دينكم، وقيل: من غير أقربائكم والثاني أَولَى لأن المعنى أو آخرانِ عدلان من غيركم. كذا يجب أن يكون معنى آخر في اللغة ولا يكون غير المسلم عدلاً. {إِنْ أَنتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي ٱلأَرْضِ} "أنتم" رفع بفعل مضمر مثل الثاني {تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعْدِ ٱلصَّلاَةِ} أي صلاة العصر وخُصّتْ بهذا لأنه لا ركوعَ بعدها فالناس يتفرغون بعدها. {فَيُقْسِمَانِ بِٱللَّهِ} يعني المُدَعَى عليهما {إِنِ ٱرْتَبْتُمْ} معترض والتقدير فيقسِمانِ بالله يقولان {لاَ نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً} أي بقسمنا {وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ} معترض أي ولو كان الميت ذا قربى/ 65 أ/ {وَلاَ نَكْتُمُ شَهَادَةَ ٱللَّهِ} متصل بقوله "ثمناً" وقرأ ابن مُحَيْصِنٍ {إِنّا إِذاً لَمِلاّثِمِينَ} أدغم النون في اللام. وهذا رديء في العربية لأن اللام حكمها السكون وإِن حركت فإِنما الحركة للهمزة، ونظير هذا قراءة أبي عمرو ونافع "وإِنّه أهلَكَ عاداً لَّولى". قال أبو جعفر: سَمِعتُ محمد بن الوليد يقول: سَمِعتُ أبا العباس محمد بن يزيد يقول ما علمت أن أبا عمرو بن العلاء لَحنَ في شيء في صميم العربية إِلاّ في حرفين أحدهما "وإِنّه أَهلَكَ عاداً لّولَى" والآخر "يُؤدِّهْ إِلَيكَ".
اعراب آيات سورة ( المائدة )
{ فَإِنْ عُثِرَ عَلَىٰ أَنَّهُمَا ٱسْتَحَقَّآ إِثْماً فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ ٱلَّذِينَ ٱسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلأَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِٱللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِن شَهَادَتِهِمَا وَمَا ٱعْتَدَيْنَآ إِنَّا إِذاً لَّمِنَ ٱلظَّالِمِينَ }
{فَإِنْ عُثِرَ..} [107]
في موضع جزم بالشرط يقال: منه عَثَرتُ عليه بالذَنْبِ أَعثُرُ عُثُوراً وعَثَرتُ في المشي أعثُر عِثاراً. {فَآخَرَانِ} رفع بفعل مضمر {يَقُومَانِ} في موضع نعت {مَقَامَهُمَا} مصدر وتقديره مقاماً مِثلَ مقامهما ثم أقيم النعت مقام المنعوت والمضاف مقام المضاف اليه. {مِنَ ٱلَّذِينَ ٱسْتُحَقَّ عَلَيْهِمُ} رُوِيَ عن أُبَيّ بن كعب {مِنَ ٱلَّذِينَ ٱسْتَحَقَّ} بفتح التاء والحاء، وكذا روى حفص بن سليمان عن عاصم بن أبي النجود. {الأولَيانِ} قراءة أهل المدينة يكون بدلاً من قوله "فآخَرَانِ" او من المضمر في {يَقُومانِ} وقيل هو اسم ما لم يسم فاعله أي استُحِقّ عليهم إِثم الأُوليَيْنِ مثل "وسئل القريةَ" والمَعنى عند قائل هذا من الذين استُحِقَ عليهم الإِثم بالخيانة وعليهم بمعنى فيهم مثل {على مُلكِ سُليمانَ} أي في ملك سليمان والمعنى الأولى بالمَيّتِ أَوِ القسم، وقرأ الكوفيون {الأَوّلِينَ} بدل من الذين أو من الهاء والميم في عليهم، ورُوِيَ عن الحسن {الأَوْلاّنِ}.
{فَيُقْسِمَانِ بِٱللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِن شَهَادَتِهِمَا} ابتداء وخبر وقد ذكرنا ما فيه. والأولى أن يكون لأولياء الميتِ فأما أن يكون الشاهدان يَحلِفانِ فبعيدُ وإنما أَشكَلَ لقوله: لَشَهادتُنا وبيانه أنّ الشهادة بمعنى الخبر وكل مخبر شاهد، وقد روى مَعْمَرٌ عن أيوب عن ابن سيرين عن عبيدة قال: قام رَجُلان من أولياءَ الميتِ فحلفا.

{ ذٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يَأْتُواْ بِٱلشَّهَادَةِ عَلَىٰ وَجْهِهَآ أَوْ يَخَافُوۤاْ أَن تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ وَٱتَّقُوا ٱللَّهَ وَٱسْمَعُواْ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْفَاسِقِينَ }
{ذٰلِكَ أَدْنَىٰ..} [108]
ابتداء وخبر {أَن} في موضع نصب {يَأْتُواْ} نصب بأن {أَوْ يَخَافُوۤاْ} عطف عليه {أَن تُرَدَّ} في موضع نصب بيخافوا. {وَٱتَّقُوا ٱللَّهَ وَٱسْمَعُواْ} أمر فلذلك حذفت منه النون. {وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْفَاسِقِينَ} نعت للقوم وفَسَق يَفْسُقُ ويَفسِقُ أي خرج من الطاعة إلى المعصية.

{ يَوْمَ يَجْمَعُ ٱللَّهُ ٱلرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَآ أُجِبْتُمْ قَالُواْ لاَ عِلْمَ لَنَآ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ ٱلْغُيُوبِ }
{يَوْمَ يَجْمَعُ ٱللَّهُ ٱلرُّسُلَ..} [109]
ظرف زمان والعامل فيه واسمَعوا أي واسمَعُوا خبر يوم، وقيل: التقدير واتقوا يوم يجمع الله الرسل {فَيَقُولُ مَاذَآ أُجِبْتُمْ قَالُواْ لاَ عِلْمَ لَنَآ} لا يصحّ قول مجاهد في هذا إِنهم يفزعون فيقولون: لا علم لنا لأن الرسلَ صلى الله عليهم لا خوف عليهم ولا هم يَحْزَنُونَ. والصحيح في هذا أن المعنى ماذا أُجِبْتُم في السرِّ والعلانية لِيكُونَ هذا تَوبيخاً للكفار فيقولون: لا عِلْمَ لنا فيكون هذا تكذيباً لمن اتخذَ المسيح إِلهاً. {إِلاّ ما عَلّمتَنَا} في موضع رفع لأنه خبر التبرية ويجوز أن يكون في موضع نصب على الاستثناء.
اعراب آيات سورة ( المائدة )
{ إِذْ قَالَ ٱللَّهُ يٰعِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ ٱذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَىٰ وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ ٱلْقُدُسِ تُكَلِّمُ ٱلنَّاسَ فِي ٱلْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحِكْمَةَ وَٱلتَّوْرَاةَ وَٱلإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ ٱلطِّينِ كَهَيْئَةِ ٱلطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِىءُ ٱلأَكْمَهَ وَٱلأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ ٱلْمَوتَىٰ بِإِذْنِيِ وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ عَنكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِٱلْبَيِّنَاتِ فَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ إِنْ هَـٰذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ }
{إِذْ قَالَ ٱللَّهُ يٰعِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ..} [110]
يكون على دعوة واحدة فيكون {عِيسَى} صلى الله عليه في موضع نصب ويكون على دعوتين فيكون {عِيسَى} عليه السلام في موضع ضم و {ٱبْنَ مَرْيَمَ} نداءاً ثانياً، وإن شئتَ بدلاً وإن شئت نعتاً على الموضع ولا يجوز الرفع في الثاني إذا كان مضافاً إِلاّ عند الطوالِ فإِنه أجاز الرفع، وقرأ ابن محيصن {إِذْ أَيَّدتُّكَ} وكذا رُوِيَ عن مجاهد. وكذا رَوَى الحسين بن علي الجعفي عن أبي عمرو. و {تُكَلِّمُ} في موضع نصب على الحال {وَكَهْلاً} عطف عليه، ويجوز أن يكون معطوفاً على الموضع {فِي ٱلْمَهْدِ} أي أَيّدتُكَ صغيراً في المهد وكبيراً كَهْلاً وحكَى ثابت بن أبي ثابت: إِن الكَهْلَ ابنُ أربعينَ إِلى الخمسينِ، وقال غيره: ابنُ ثلاثٍ وثلاثين. {وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ ٱلطِّينِ كَهَيْئَةِ ٱلطَّيْرِ} معنى تَخلُقُ تقدّرُهُ تقديراً مستوياً لا زيادة فيه ولا نقصان {فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي} أي فيقلب اللهُ عز وجل الروح الذي يكون من النفخ لَحماً ودماً وقد قرئ {طيراً} {وَتُبْرِىءُ ٱلأَكْمَهَ وَٱلأَبْرَصَ بِإِذْنِي} معنى بإِذني بدعوتي فأبرِئُهما. قال الخليل رحمه الله: الأكَمَه الذي يولَدُ أعمَى والذي/ 65 ب/ يَعْمَى بعدما كان يُبصِرُ.

{ وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى ٱلْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُواْ بِي وَبِرَسُولِي قَالُوۤاْ آمَنَّا وَٱشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ }
{.. وَٱشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ} [111]
على الأصل ومن العرب من يحذف إِحدى النونين.

{ إِذْ قَالَ ٱلْحَوَارِيُّونَ يٰعِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ قَالَ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِن كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ }
{إِذْ قَالَ ٱلْحَوَارِيُّونَ يٰعِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ..} [112]
أي هل يفعل ذلك لمسألتنا وقد ذكرناه. {قَالَ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ} [وقرأ الكسائي {هَلْ تَستطِيعُ رَبّكَ} أي هل تستطيع أن تسأل ربك قال: اتّقوا الله] أي اتّقوا مَعَاصِيَ الله وكثرة السؤال فإنكم لا تَدرُونَ ما يحلّ بكم عند اقتراح الآيات إِذ كان الله جل وعز إِنما يفعل الأصلح بعباده. {إِن كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ} أي إِن كنتم مؤمِنينَ بِهِ وبما جِئتُ به فقد جِئتُكُم من الآيات بما فيه غناء.
اعراب آيات سورة ( المائدة )
{ قَالُواْ نُرِيدُ أَن نَّأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَن قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ ٱلشَّاهِدِينَ }
{قَالُواْ نُرِيدُ أَن نَّأْكُلَ مِنْهَا..} [113]
نصب بِأَن {وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَن قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ ٱلشَّاهِدِينَ} عطف كلّه.

{ قَالَ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ ٱللَّهُمَّ رَبَّنَآ أَنزِلْ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ تَكُونُ لَنَا عِيداً لأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنْكَ وَٱرْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ ٱلرَّازِقِينَ }
{قَالَ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ ٱللَّهُمَّ..} [114]
الأصل عند سيبويه يا الله والميمان بدل من يا {رَبَّنَآ} نداء ثان، لا يجيز سيبويه غيره ولا يجوز عنده أن يكون نعتاً لأنه قد أشبه الأصوات من أجل ما لحقه. {أَنزِلْ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ} سؤال {تَكُونُ} نعت المائدة وليس بجواب، وقرأ الأعمش {تَكُنْ لَنَا عِيداً} على الجواب. والمعنى يكون يوم نزولها عيداً لنا. {لأوَّلِنَا} لأوّلِ أمتنا وآخرها، وقرأ عاصم الجَحْدَرِي {لأولانَا وأُخْرَانَا}.

{ قَالَ ٱللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنِّيۤ أُعَذِّبُهُ عَذَاباً لاَّ أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِّنَ ٱلْعَالَمِينَ }
{قَالَ ٱللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ..} [115]
وهذا يوجب أنه قد أنزلها ووعده الحق.
اعراب آيات سورة ( المائدة )
{ وَإِذْ قَالَ ٱللَّهُ يٰعِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ ٱتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـٰهَيْنِ مِن دُونِ ٱللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِيۤ أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ ٱلْغُيُوبِ }
{وَإِذْ قَالَ ٱللَّهُ يٰعِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ ٱتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـٰهَيْنِ مِن دُونِ ٱللَّهِ..} [116]
المعنى وإذ يقول الله يومَ القيامةِ "وفَعَلَ" تأتي بمعنى "يَفْعَلُ"، و "يَفْعَلَ" بمعنى "فَعَلَ" إذا عُرِفَ المعنى لأن الفعل واحد وإنما اختلف لاختلاف الزمان، وأنشد سيبويه في نظير الآية:
ولَقَدْ أَمرُّ على اللئيمِ يَسُبُّنِي * فَمَضَيْتُ ثُمَّتَ قُلْتُ لا يَعْنِينِي
وقال آخر:
وانضَحْ جَوانِبَ قَبرِهِ بِدِمائِهَا * فَلَقدْ يكُونُ أخَا دمٍ وذَبَائحِ
يُريدُ فلقد كان. {قَالَ سُبْحَانَكَ} مصدر أي تنزيهاً لك أن يكون معك إلهٌ سواك. {مَا يَكُونُ لِيۤ أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ} هذا التمام و "بحق" مِن صلة لِي ولا بد للباء من أن تكونَ متعلقة بشيء. {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ} أي تعلم حقيقة ما عندي ولا أعلم حقيقة ما عندك على الازدواج. قال المازني: التقدير إِن قيل كنتُ قلته.

{ مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَآ أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ }
{مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَآ أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ..} [117]
{أن} لا موضع لها من الاعراب وهي مفسرة مثل {وانطلقَ الملأ منهم أَن امشُوا}، ويجوز أن تكون "أن" في موضع نصب أي ما ذكرت لهم إِلاّ عبادة الله جل وعز، ويجوز أن تكون في موضع خفض أي بأن اعبدوا وضمّ النون أجود لأنهم يستثقلون كسرةً بعدها ضمة والكسر جائز على أصل التقاء الساكنين. {وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَّا دُمْتُ فِيهِمْ} {مَّا} في موضع نصب أي وقت دوامي فيهم. {فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ} قيل هذا يدلّ على أن الله جل وعز توفاه قبل أن يرفعه.

{ إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ }
{إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ..} [118]
شرط وجوابه. {وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ} مثله وقد مضى تفسيره العزيز الذي لا يقهر الحكيم في فعله.
اعراب آيات سورة ( المائدة )
{ قَالَ ٱللَّهُ هَـٰذَا يَوْمُ يَنفَعُ ٱلصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً رَّضِيَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذٰلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ }
{قَالَ ٱللَّهُ هَـٰذَا يَوْمُ يَنفَعُ ٱلصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ..} [119]
هذه القراءة البينة على الابتداء والخبر، وفيها وجهان آخران: أَحَدُهما "هَـٰذَا يَوْمُ يَنفَعُ ٱلصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ" بالتنوين وبحذف فيه مثل {واتقوا يوماً لا تَجْزِي نفسٌ عن نفسٍ شيئاً}. والوجه الآخر "هَـٰذَا يَوْمَ يَنفَعُ ٱلصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ" بنصب يوم. حكَى إبراهيم بن حميْدٍ عن محمد بن يزيد إِنّ هذه القراءة لا تجوز لأنه نصب خبر الابتداء. قال أبو جعفر: ولا يجوز فيه البناء وقال إبراهيم بن السَرِيّ هي جائزة بمعنى قال الله هذا لعيسى يَومَ ينفع الصادقين صِدقُهم أي قاله يوم القيامة، وقال غيره: التقدير قال الله جل وعز هذه الأشياء تقعُ يومَ القيامة، وقال الكسائي والفراء: بُنِيَ "يوم" ههنا على النصب لأنه مضاف إلى غير اسم كما تقول: مضى يومئذ وأنشد الكسائي:/ 66/ أ.
على حِينَ عَاتَبْتُ المَشِيبَ على الصِّبَا * وقُلتُ أَلَمّا تَصْحُ والشيبُ وَازِعُ
ولا يجيز البصريون ما قالاه إِذا أضفتَ الظرف إلى فعل مضارع فان كان ماضياً كان جيداً كما مَرّ في البيت. وإِنما جاز أن يضاف إلى الفعل ظروف الزمان لأن الفعل بمعنى المصدر. قال أبو إسحاق: حقيقة الحكاية {أَبَداً} ظرف زمان.

{ للَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }
{.. وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [120] ابتداء وخبر.
اعراب آيات سورة ( الأنعام )
{ ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَجَعَلَ ٱلظُّلُمَٰتِ وَٱلنُّورَ ثْمَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ }
{ٱلْحَمْدُ للَّهِ..} [1]
ابتداء وخبر. قال أبو جعفر: وقد ذكرنا بأكثر من هذا في "أُمّ القرآن" والمعنى: قولوا الحمد لله. {ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ} نعت {وَجَعَلَ ٱلظُّلُمَاتِ وَٱلنُّورَ} بمعنى خَلَقَ فإِذا كانت جعل بمعنى خلق لم تَتَعدَّ إلا إلى مفعول واحد. {ثْمَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} ابتداء وخبر ومن العرب من يقول: الذونَ والمعنى ثم الذين كفروا يجعلون لله عز وجل عِدْلاً وشَريكاً وهو خَلَقَ هذه الأشياء وَحدَهُ.

{ هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن طِينٍ ثُمَّ قَضَىۤ أَجَلاً وَأَجَلٌ مُّسَمًّى عِندَهُ ثُمَّ أَنتُمْ تَمْتَرُونَ }
{هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن طِينٍ..} [2]

ابتداء وخبر وفي معناه قولان: أحدُهُما هو الذي خلق أصلكم يعني آدم صلى الله عليه وسلم، والآخر أن تكون النطفة خَلَقَها الله جل وعز من طين على الحقيقة ثم قلبها حتى كان الانسان منها. {ثُمَّ قَضَىۤ أَجَلاً} مفعول {وَأَجَلٌ مُّسَمًّى عِندَهُ} ابتداء وخبر. وقال الضحاك: قَضَى أجلاً يعني أجل الموت و "أَجَلٌ مُّسَمًّى عِندَهُ" أجل القيامة فالمعنى على هذا أحكَمَ أجلاً وأعلمكم أنكم تُقِيمُونَ إلى الموت ولم يعلمكم بأجل القيامة وقيل: قَضَى أجلاً ما أعلَمناهُ من أنه لا نبيّ بعد محمد صلى الله عليه وسلم "وأجل مُسمّىً" أمر الآخرة وقيل: قضى أجلاً ما نعرفه من أوقات الأهلّة والزروع وما أشبههما، وأجل مُسمّى أجل الموت لا يعلم الانسان متى يموت. {ثُمَّ أَنتُمْ تَمْتَرُونَ} ابتداء وخبر أن تشكّون في أنه إلهٌ واحد وقيل: تُمَارون في ذلك.

{ وَهُوَ ٱللَّهُ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَفِي ٱلأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ }
{وَهُوَ ٱللَّهُ..} [3]
ابتداء وخبر. قال أبو جعفر: وقد ذكرناه ومن أحسن ما قيل فيه: أنّ المعنى وهو الله يعلم سركم وجهركم في السموات وفي الأرض {وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ} {مَا} في موضع نصب يعلم.
اعراب آيات سورة ( الأنعام )
{ وَمَا تَأْتِيهِم مِّنْ آيَةٍ مِّنْ آيَٰتِ رَبِّهِمْ إِلاَّ كَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ }
{وَمَا تَأْتِيهِم مِّنْ آيَةٍ مِّنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلاَّ كَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ..} [4]
{مَا} نفي، وليست بشرط فلذلك ثبتت الياء في تأتيهم واعراضهم عنها كفرهم بها.

{ أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ مَّكَّنَّٰهُمْ فِي ٱلأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ وَأَرْسَلْنَا ٱلسَّمَآءَ عَلَيْهِم مِّدْرَاراً وَجَعَلْنَا ٱلأَنْهَارَ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَٰهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ }
{أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ..} [6]
{كَمْ} في موضع نصب بأهلكنا ولا يعمل فيه يَرَوا وإِنما يعمل في الاستفهام ما بعده {مَّكَّنَّاهُمْ فِي ٱلأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ} ولم يقل "لهم" لأنه جاء على تحويل المخاطبة. {وَأَرْسَلْنَا ٱلسَّمَآءَ عَلَيْهِم مِّدْرَاراً} على الحال {وَجَعَلْنَا ٱلأَنْهَارَ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمْ} مفعولان.

{ وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَٰباً فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ }
{وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَاباً فِي قِرْطَاسٍ..} [7]
ويقال قُرطَاس {فَلَمَسُوهُ} عطف، وجواب لو {لَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ}.

اعراب آيات سورة ( الأنعام )
{ وَقَالُواْ لَوْلاۤ أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكاً لَّقُضِيَ ٱلأَمْرُ ثُمَّ لاَ يُنظَرُونَ }
{وَقَالُواْ لَوْلاۤ أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ..} [8]
بمعنى هلاّ {وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكاً لَّقُضِيَ ٱلأَمْرُ} اسم ما لم يسم فاعله.

{ وَلَوْ جَعَلْنَٰهُ مَلَكاً لَّجَعَلْنَٰهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ }
{وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكاً لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلاً..} [9]
أي لو أنزلنا إليهم ملكاً على هيئته لم يروه فإِذا جعلناه رجلاً التبس عليهم أيضاً ما يَلبِسُونَ على أنفسهم فكانوا يقولون: هذا ساحر مثلك وقال أبو اسحاق: كانوا يقولون لِضَعَفَتهمْ: إنما محمد بشر وليس بَينَهُ وبَينكم فرق فيلبسون عليهم بهذا ويُشَكّكُونَهُم فأعلم الله جل وعز أنه لم أنزلَ مَلكاً في صورة رجل لوجدوا سبيلاً إلى اللّبسِ كما يفعلون.

{ وَلَقَدِ ٱسْتُهْزِىءَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِٱلَّذِينَ سَخِرُواْ مِنْهُمْ مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ }
{وَلَقَدِ ٱسْتُهْزِىءَ..} [10]
بكسر الدال وضمها لالتقاء الساكنين/ 66/ ب الكسر الأصل والضم لأن بعد الساكن ضمةً. {فَحَاقَ بِٱلَّذِينَ سَخِرُواْ مِنْهُمْ مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ} أي عقابه.
اعراب آيات سورة ( الأنعام )
{ قُل لِّمَن مَّا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ قُل للَّهِ كَتَبَ عَلَىٰ نَفْسِهِ ٱلرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَٰمَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ ٱلَّذِينَ خَسِرُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ }
{.. كَتَبَ عَلَىٰ نَفْسِهِ ٱلرَّحْمَةَ..} [12]
قال الفراء: إِن شئتَ كان هذا تمام الكلام ثم استأنفت {لَيَجْمَعَنَّكُمْ} وإِن شئت كان في موضع نصب. {ٱلَّذِينَ خَسِرُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ} قال الأخفش: إن شئت كان "الذين" في موضع نصب على البدل من الكاف والميم، وزعم أبو العباس أن هذا القول خطأ لأنه لا يُبدلُ من المُخَاطَبِ ولا المُخَاطِبِ لا يقال: مَررت بِكَ زيدٍ ولا مررتُ بِي زَيدِ، لأن هذا لا يشْكِلُ فَيُبيَّنُ وقيل: "الذين" نداء مفرد، وقيل قول ثالث وهو أجودها يكون الذين في موضع رفع بالابتداء وخبره {فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ}.

{ قُلْ أَغَيْرَ ٱللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيّاً فَاطِرِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ قُلْ إِنِّيۤ أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُشْرِكَينَ }
{قُلْ أَغَيْرَ ٱللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيّاً..} [14]
مفعولان {فَاطِرِ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ} نعت وأجاز الأخفش الرفع على اضمار مبتدأ. قال أبو اسحاق: ويجوز النصب على المدح، وقال الفراء: على القطع {وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ} وهي قراءة العامة وقرأ سعيد بن جبير ومجاهد والأعمش {وهُوَ يُطعِمُ ولا يَطْعَمُ}.

{ مَّن يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْمُبِينُ }
{مَّن يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ..} [16]
قراءة أهل المدينة وأبي عمرو وقرأ الكوفيون {من يَصْرِفْ} بفتح الياء وهو اختيار أبي حاتم وأبي عُبَيدٍ، وعلى قول سيبويه الاختيار "مَّن يُصْرَفْ" بضم الياء لأن سيبويه قال: وكُلّما قلّ الاضمار كان أولى. فإذا قرأ من يصرف بفتح الياء فتقديره من يَصرِف الله عنه العذاب وإِذا قرأ من يُصْرَف فتقديره من يصرف عنه العذاب. {وَذَلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْمُبِينُ} ابتداء وخبر.
اعراب آيات سورة ( الأنعام )
{ قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَٰدةً قُلِ ٱللَّهُ شَهِيدٌ بِيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ لأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَن بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ ٱللَّهِ ءَالِهَةً أُخْرَىٰ قُل لاَّ أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ }
{قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً..} [19]
ابتداء وخبر {شَهَادةً} على البيان، والمعنى أيّ شيءٍ من الأشياء أكبر شهادةً حتى استَشْهِدَ به عليكم. {قُلِ ٱللَّهِ شَهِيدٌ بِيْنِي وَبَيْنَكُمْ} ابتداء وخبر {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَـٰذَا} اسم ما لم يسم فاعله {ٱلْقُرْآنُ} نعت له {لأُنذِرَكُمْ بِهِ} نصب بلام كي {وَمَن بَلَغَ} في موضع نصب عطف على الكاف والميم وفي معناه قولان أحدُهما وأنذرَ مَن بَلَغَهُ القرآنُ، والآخر ومن بَلغ الحُلُمَ ودَلّ بهذا على أنّ من لم يبلغ الحُلُمَ ليس بِمُخاطبٍ ولا مُتَعَبَّدٍ. {أَئِنَّكُمْ} بِهمزتَينِ على الأصل وإِن خففتَ الثانية قلتَ: أينّكم وروى الأصمعي عن أبي عمرو ونافع {أاْإِنكم} وهذه لغة معروفة يُجْعَلُ بَيْنَ الهمزتين ألفٌ كَراهةً لالتقائِهِما {وَإِنَّنِي} على الأصل ويجوز وإِني على الحذف {بَرِيءٌ} خبر "إِن".

{ ٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَآءَهُمُ ٱلَّذِينَ خَسِرُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ }
{ٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ..} [20]
في موضع رفع بالابتداء {يَعْرِفُونَهُ} في موضع الخبر {ٱلَّذِينَ خَسِرُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ} في موضع رفع نعت للذين الأول، ويجوز أن يكون مبتدأ وخبره {فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ}.

{ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآيَٰتِهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلظَّٰلِمُونَ }
{وَمَنْ أَظْلَمُ..} [21] ابتداء وخبر.
اعراب آيات سورة ( الأنعام )
{ ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ وَٱللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ }
{ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ..} [23]
أي اختبارهم يقرأ على خمسة أوجه: قرأ حمزة الكسائي {ثُمَّ لَمْ يَكُنْ} بالياء {فِتْنَتَهُمْ} نصب وهذه قراءة بَيّنَهُ لأنّ {أَن قَالُواْ} اسم "يكن" ولفظه مذكّر "فتنَتَهُمْ" خبر، وقرأ أهل المدينة وأبو عمرو بن العلاء {ثُمَّ لَمْ تَكُنْ} بالتاء {فِتنَتَهُمْ} نصب أنّثَ "أَن قَالُواْ" عند سيبويه لأنّ "أَن قَالُواْ" هو الفتنة، ونظيرهِ عند سيبويه قول العرب: ما جَاءَتْ حاجَتَكَ، وقراءة الحسن {تَلتَقِطُهُ بَعْضُ السيّارَةِ} وأنشد سيبويه:
وَتَشْرَقُ بالقَولِ الذي قَد أذعتَهُ * كَمَا شَرِقَتْ صَدْرُ القَنَاةِ مِنَ الدّمِ
وقال غير سيبويه: جعل "أَن قَالُواْ" بمعنى المقالة وقرأ عبد الله بن مسعود وأبَيّ ابن كعب {وما كان فِتْنَتَهُم إلاّ أن قَالُوا} وقرأ الأعرج ومسلم بن جندب وابن كثير وعبد الله بن عامر الشامي وعاصم من رواية حفص والأعمش من رواية المفضل والحسن وقتادة وعيسى بن عمر {ثُمَّ لَمْ تَكُنْ} بالتاء {فِتْنَتُهُمْ} بالرفع اسم تكن والخبر {إلاَّ أَن قَالُواْ} فهذه أربع قراءات والخامسة {ثُمَّ لَمْ يَكُنْ} بالياء {فِتْنَتُهُمْ} بالرفع يذكر الفتنة لأنها بمعنى الفتون ومثله فمن {جاءَهُ موعظةٌ من رَبّهِ}. {وَٱللَّهِ} خفض بواو القسم وهي بدل من الباء لقربها منها {رَبِّنَا} نعت ومن نصب فعلى النداء أي يا ربنا وهي قراءة حسنة لأن فيها معنى الاستكانة والتضرّع.

{ وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِيۤ ءَاذَانِهِمْ وَقْراً وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ ءَايَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا حَتَّىٰ إِذَا جَآءُوكَ يُجَٰدِلُونَكَ يَقُولُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ أَسَٰطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ * وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِن يُهْلِكُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ * وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ وُقِفُواْ عَلَى ٱلنَّارِ فَقَالُواْ يٰلَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَٰتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ }
{.. أَن يَفْقَهُوهُ..} [25]
في/ 67 أ/ موضع نصب أي كراهة أن يففقهوه {وَفِيۤ آذَانِهِمْ وَقْراً} عطف يقال: وَقَرَتْ أذنُهُ بفتح الواو وحكى أبو زيد عن العرب: أذنٌ موقورة فعلى هذا وُقِرَتْ بضم الواو. وأحد الأساطير اسطارة ويقال: أُسطورةٌ ويقال: هو جمع أسْطَارٍ وأسطارٌ جمع سَطْرٍ يقال: سَطْرٌ وسَطَرٌ.
وقرأ الحسن {وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ ويَنَونَ عَنْهُ..} [26] ألقى حركة الهمزة على النون وحذفها.
ويجوز في العربية {.. إِذْ أُقِفُواْ عَلَى ٱلنَّارِ..} [27] مثل "أُقّتَتْ". قرأ أهل المدينة والكسائي {يٰلَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبُ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونُ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ} رفع كلّه. قال أبو جعفر: وهكذا يروى عن أبي عمر ويروَى عنه {وَلاَ نُكَذِّبِ بِآيَاتِ رَبِّنَا} بالادغام، وقرأ الكوفيون وعيسى بن عمر وابن أبي إسحاق {يٰلَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ} بالنصب {وَنَكُونَ} مثله، وقرأ عبد الله بن عامر {يٰلَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبُ} بالرفع {ونَكُونَ} بالنصب، وقرأ أُبي وابن مسعود {يٰلَيْتَنَا نُرَدُّ فَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا} بالفاء والنصب. قال أبو جعفر: القراءة الأولى بالرفع على أن يكون منقطعاً مما قبله هذا قول سيبويه وقيل: هو عطف والادغام حسن والنصب بالواو على أنه جواب التمنّي وكذا بالفاء ورفع الأول على قراءة ابن عامر على القطع ما قبله أو العطف ويجعل "ونكونَ" جواباً.

{ بَلْ بَدَا لَهُمْ مَّا كَانُواْ يُخْفُونَ مِن قَبْلُ وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ }
{بَلْ بَدَا لَهُمْ مَّا كَانُواْ يُخْفُونَ مِن قَبْلُ..} [28]
في معناه قولان: أحدهما أنه للمنافقين لأن اسم الكفر مشتمل عليهم فعاد الضمير على بعض المذكور وهذا من كلام العرب الفصيح والقول الآخر أن الكفار كانوا إذا وعظهم النبي صلى الله عليه وسلم خافوا ذلك الخوف لئلا يفطن بهم ضعفاؤهم فظهر ذلك يوم القيامة، وقرأ يحيى بن وثاب {وَلَوْ رِدُّواْ} بكسر الراء لأن الأصل رُدِدُوا فَقَلَبَ كسرة الدال على الراء كما يقال: قِيلَ وبِيعَ وبينهما فرق لأنّ قِيلَ إنما قُلِبَتْ فيه الحركة لأنه معتل وليس حكم الياء والواو حكم غيرهما لكثرة انقلابهما.
اعراب آيات سورة ( الأنعام )
{ وَقَالُوۤاْ إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا ٱلدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ }
{وَقَالُوۤاْ إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا ٱلدُّنْيَا..} [29]
ابتداء وخبر. {وَمَا نَحْنُ} اسم ما {بِمَبْعُوثِينَ} الخبر.

{ قَدْ خَسِرَ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِلِقَآءِ ٱللَّهِ حَتَّىٰ إِذَا جَآءَتْهُمُ ٱلسَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُواْ يٰحَسْرَتَنَا عَلَىٰ مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَىٰ ظُهُورِهِمْ أَلاَ سَآءَ مَا يَزِرُونَ }
{قَدْ خَسِرَ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِلِقَآءِ ٱللَّهِ..} [31]
أي قد خسروا أعمالهم وثوابها {حَتَّىٰ إِذَا جَآءَتْهُمُ ٱلسَّاعَةُ بَغْتَةً} نصب على الحال وهي عند سيبويه مصدر في موضع الحال كما تقول: قَتلتُهُ صَبراً وأنشد:
فَلأياً بِلأيٍ ما حَمَلْنَا وَلِيدَنا * على ظَهْرِ مَحْبُوكٍ ظماءٍ مَفَاصِلُهْ
ولا يجيز سيبويه أن يقاس عليه. لا يقال: جاء فلان سرعةً. {وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ} أي ذنوبهم جعلها لثقلها بمنزلة الحمل الثقيل الذي يُحمَلُ على الظَّهرِ وقيل: يعني عقوبات الذنوب لأن العقوبة يقال لها وِزْرٌ {أَلاَ سَآءَ مَا يَزِرُونَ} أي يحملون.

{ وَمَا ٱلْحَيَٰوةُ ٱلدُّنْيَآ إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ ٱلآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ }
{وَمَا ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَآ إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ..} [32]
ابتداء وخبر أي الذين يشتهون الحياة الدنيا لا عاقبة له فهو بمنزلة اللهو واللعب. {وَلَلدَّارُ ٱلآخِرَةُ خَيْرٌ} [ابتداء وخبر وقرأ ابن عامر {ولَدَارُ ٱلآخِرةِ} خفيفة وبالخفض، والدار الآخرة خيرٌ] لبقائها. {لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ} أي يتقون معاصي الله جل وعز {أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} إِنّ الأمر هكذا فتزهدوا في الدنيا.
اعراب آيات سورة ( الأنعام )
{ قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ ٱلَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَـٰكِنَّ ٱلظَّٰلِمِينَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ يَجْحَدُونَ }
{قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ ٱلَّذِي يَقُولُونَ..} [33]
كُسِرَتْ "إنّ" لدخول اللام. {فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ} قد ذكرناه وحُكِيَ عن محمد بن يزيد أنه قال: يُكْذِبُونَكَ ويُكذِبُونَك بمعنى واحد قال: وقد يكون لا يكذِبُونَكَ بمعنى لا يَجِدُونَكَ تأتي بالكذب كما تقول: أَبخَلْتُ الرجل، وقال غيره: معنى لا يُكذِّبُونَكَ لا يكذِّبونَكَ بحجّة ولا برهان ودلّ على هذا {وَلَـٰكِنَّ ٱلظَّالِمِينَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ يَجْحَدُونَ}.

{ وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَىٰ مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّىٰ أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ ٱللَّهِ وَلَقدْ جَآءَكَ مِن نَّبَإِ ٱلْمُرْسَلِينَ }
{وَلَقَدْ كُذِّبَتْ..} [34]
على تأنيث الجماعة {رُسُلٌ} اسم ما يسم فاعله، وإِن شئت حَذفتَ الضمة فقلتَ: رُسْلٌ لِثِقَلِ الضمة {فَصَبَرُواْ عَلَىٰ مَا كُذِّبُواْ} أي فاصبر كما صَبَرُوا. {وَأُوذُواْ حَتَّىٰ أَتَاهُمْ نَصْرُنَا} أي فسيأتيك ما وعِدتَ به. {وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ ٱللَّهِ} مُبيّنٌ لذلك أي ما وعد الله عز وجل فلا يقدر أحد أن يدفعه.

{ وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِن ٱسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي ٱلأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي ٱلسَّمَآءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى ٱلْهُدَىٰ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْجَٰهِلِينَ }
{وَإِن كَانَ..} [35]
شرط {كَبُرَ} فعل ماض وهو خبر عن كان {فَإِن ٱسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي ٱلأَرْضِ} مفعول به {أَوْ سُلَّماً فِي ٱلسَّمَآءِ} عطف عليه أي سبباً إلى السماء وهذا تمثيل لأن السُّلّم الذي يُرتَقَى عليه سَبَبٌ إلى الموضع وما يعرف ما حكاه الفراء من تأنيث السُلّم. {فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ} عطف وأمر الله جل وعز النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يشتَدَّ حُزنُهُ عليهم إذا كانوا لا يؤمنون كما أنه لا يستطيع هذا. {فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْجَاهِلِينَ} من الذين اشتدّ حزنهم وتَحَسَّروا حتّى أخرجهُم ذلك الى الجَزَعِ الشديد والى ما لا يحلّ.

اعراب آيات سورة ( الأنعام )
{ إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ ٱلَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَٱلْمَوْتَىٰ يَبْعَثُهُمُ ٱللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ }
{إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ ٱلَّذِينَ يَسْمَعُونَ..} [36]
أي يسمعون سماع إصغاء وتَفهّم وارادة للحقّ {وَٱلْمَوْتَىٰ يَبْعَثُهُمُ ٱللَّهُ}/ 67/ ب وهم الكفار وهم بمنزلة الموتى في أنهم لا يقبلون ولا يَصغُونَ الى حجة.

{ وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّ ٱللَّهَ قَادِرٌ عَلَىٰ أَن يُنَزِّلٍ آيَةً وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ }
{وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ..} [37]
وكان منهم تَعنُّتاً بعد ظهور البراهين وإقامة الحجة بالقرآن الذي عجزوا عن أن يأتوا بسورة مثله لما فيه من الوصف وعلم الغيوب {وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} أن الله جل وعز إِنَّما يُنزِلُ من الآيات ما فيه مصلحة للعباد.

{ وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَّا فَرَّطْنَا فِي ٱلكِتَٰبِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ }
{وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ..} [38]
عطف على اللفظ وقرأ الحسن وعبد الله بن أبي اسحاق {وَلاَ طَائِرٌ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ} جعله عطفاً على الموضع والتقدير وما دابةٌ ولا طائرٌ يطير بجناحيه {إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ} أي هم جماعات مثلكم في أن الله جل وعز خلقهم وتكفّل بأَرزاقِهِم وعَدلَ عليهم فلا ينبغي أن تَظلِمُوهُم ولا تجاوزوا فيهم ما أُمِرتُمْ به. ودابّة يقع لجميع ما دبّ. {مَّا فَرَّطْنَا فِي ٱلكِتَابِ مِن شَيْءٍ} أي ما تركنا شيئاً من أمر الدين إلا وقد دَلَلْنَا عليه في القرآن أما دلالةً مبيِّنةً مشروحةً وإِما مجملة نَحوُ {وما آتاكُمُ الرسول فَخُذوهُ وما نَهاكُم عنه فانتَهُوا}، {ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ} فدل بهذا على أن البهائم تُحشَرُ يَومَ القيامةِ.




اعراب آيات سورة ( الأنعام )
{ وَٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي ٱلظُّلُمَاتِ مَن يَشَإِ ٱللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَن يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }
{وَٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ..} [39]
ابتداء وخبر. {مَن يَشَإِ ٱللَّهُ يُضْلِلْهُ} شرط ومجازاة وكذا {وَمَن يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}.

{ قُلْ أَرَءَيْتَكُمْ إِنْ أَتَـٰكُمْ عَذَابُ ٱللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ ٱلسَّاعَةُ أَغَيْرَ ٱللَّهِ تَدْعُونَ إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ }
{قُلْ أَرَأَيْتُكُم..} [40]
بتحقيق الهمزتين قراءة أبي عمرو وعاصم وحمزة وقرأ نافع بتخفيف الهمزتين يُلقِي حَركة الأولى على ما قَبلَها ويأتي بالثانية بَينَ بَينَ، وحكى أبو عُبَيْدٍ عنه أنه يُسقِطُ الهمزة ويُعوّض منها ألفاً وهذا عند أهل اللغة غلط عليه لأن الياء ساكنة والألف ساكنة ولا يجتمع ساكنان، وقرأ عيسى بن عمر والكسائي {قُلْ أَريتَكُمْ} بحذف الهمزة الثانية وهذا بعيد في العربية وإنما يجوز في الشعر والعرب تقول: أريتَكَ زيداً ما شأنهُ. قال الفراء: الكاف لفظها لفظ منصوب ومعناها معنىً مرفوع، كما يقال: دُونَكَ زيداً أي خُذْهُ. قال أبو اسحاق: هذا محال ولكن الكاف لا موضع لها وهي زائدة للتوكيد كما يقال: ذاك والعرب تقول على هذا في التثنية أريتَكُما زيداً ما شَأنهُ، وفي الجمع أَريتَكُم زيداً وفي المرأة أريتَكِ زيداً ما شأنه، يَدَعُونَ التاء مُوَحّدةً ويجعلون العلامة في الكاف فان كانت الكاف في موضع نصب قالوا في التثنية: أريتُمَا كما عالَميْنِ بفلان وفي الجمع أَريتُموكُم عالِمينَ بفرن وفي جماعة المؤنث أريتكنَّ عالماتٍ بفلان وفي الواحدة أريتك عالمة بزيد. قال الله عز وجل {إِنّ الإنسان ليطغَى أن رآه استغنَى} فهو من هذا بعينه.

{ بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَآءَ وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ }
{بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ..} [41]
"إِيَّاهُ" نصب بتدعون {فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ} فعل مُستَقبلٌ {وَتَنسَوْنَ} وتتركون مثل {وَلَقدْ عَهِدنَا إلى آدَم مِن قَبْلُ فَنَسِي} ويجوز أن يكون المعنى وتتركون فتكونون بمنزلة الناسين. وقرأ عبد الرحمن الأعرج {.. مَّنْ إِلَـٰهٌ غَيْرُ ٱللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ ٱنْظُرْ..} [46] بضم الهاء على الأصل لأن الأصل أن تكون الهاء مضمومة كما تقول: جئتُ مَعَهُ وقد ذكرنا تَوحِيدَ الهاء.
قال الكسائي: يقال بَغَتُهُم الأمر يَبْغَتَهم بَغْتاً وبغتةً إَذا أتاهم فُجَاءةً وقرأ الحسن والأعمش {.. العَذابِّما ..} [49] مُدْغماً وهكذا رُوِيَ عن أَبي عمرو وقرأ يحيى بن وثّاب والأعمش {بما كانُوا يَفْسِقُونَ} بكسر السين وهي لغة معروفة.
اعراب آيات سورة ( الأنعام )
{ وَلاَ تَطْرُدِ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِٱلْغَدَاةِ وَٱلْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِّن شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ ٱلظَّالِمِينَ }
{وَلاَ تَطْرُدِ ٱلَّذِينَ..} [52]
جزم بالنهي وعلامة الجزم حذف الضمة وكسرت الدال لالتقاء الساكنين. {يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِٱلْغَدَاةِ} غداة نكرة فَعُرفَتْ بالألف واللام وكُتِبَتْ بالواو كما كُتِبَتِ الصلاة بالواو وقرأ أبو عبد الرحمن السُلمِيّ وعبد الله بن عامر ومالك بن دينار {بالغُدْوَةِ} وباب غدوة أن تكون معرفة إلا أنه يجوز تنكيرها كما تُنكَّرُ الأسماء الأعلام/ 68 أ/ فاذا نُكِّرَتْ دَخَلَتْها الألف واللام للتعريف وعَشِيّ وعَشِيّة نكرتان لا غير {مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ} {مِنْ} الأولى للتبعيض والثانية زائدة للتوكيد وكذا. {وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِّن شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ} جواب النفي {فَتَكُونَ مِنَ ٱلظَّالِمِينَ} جواب النهي.

{ وَكَذٰلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِّيَقُولوۤاْ أَهَـٰؤُلاۤءِ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَآ أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِأَعْلَمَ بِٱلشَّٰكِرِينَ }
{وَكَذٰلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِّيَقُولوۤاْ أَهَـٰؤُلاۤءِ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَآ..} [53]
لام كي وهو من المُشكِل يقال: كيف فُتِنُوا ليقولوا هذا لأنه ان كان انكاراً فهو كفر منهم وفي هذا جوابان: أَحدُهما أنّ المعنى اختبرنا الأغنياء بالفقراء أن تكون مرتبتهم عند النبي صلى الله عليه وسلم واحدةً ليقولوا على سبيل الاستفهام لا على سبيل الانكار "أَهَـٰؤُلاۤءِ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَآ"، والجواب الآخر أنهم لما اختبِرُوا بهذا فآل عاقِبتهُ إلى أن قالوا هذا سبيل الإنكار صار مثل قوله جل وعز {فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوّاً وَحَزَناً}.

{ وَإِذَا جَآءَكَ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَٰمٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَىٰ نَفْسِهِ ٱلرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سُوۤءًا بِجَهَٰلَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }
{.. فَقُلْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ..} [54]
رفع بالابتداء وفيه معنى المنصوب عند سيبويه فلذلك ابتُدِئَ بالنكرة {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَىٰ نَفْسِهِ ٱلرَّحْمَةَ} أي أَوجَبَ فخوطب العباد على ما يعرفون من أنه مَنْ كَتَبَ شيئاً فقد أَوجَبَهُ على نفسه وقيل: كَتَبَ ذلك في اللوح المحفوظ قال أبو جعفر: وقد ذكرنا قراءة من قرأ {أنّه} {فأَنه} ففتحهما جميعاً وقراءة مَنْ كَسَرَهُمَا جميعاً وقراءة مَنْ فتح الأولى وكَسَرَ الثانية وقرأ عبد الرحمن الأعرج بِكَسْرِ الأولى وفتح الثانية كذا روى عنه ابن سَعْدَانَ فمن فَتَحَهُمَا جميعاً جعل الأولى بدلاً من الرحمة أو على إضمار مبتدأ أي هي كذا والثانية مُكرّرةٌ عند سيبويه كما قال الله جل وعز {لا تَحسَبَنَّ الذين يفرحون بما أتوا ويحبّون أن يُحمَدُوا بما لم يفعلوا فلا تَحْسَبَنَّهُمْ بمفازةٍ من العذاب} وقال جل وعز {إِنّ الذين آمنوا والذين هادوا} ثم قال بَعْدُ {إنّ اللهَ يفصل بَينَهم} وقال الأخفش وأبو حاتم: "أنّ" الثانية في موضع رفع بالابتداء أي فالمغفرة له وهذا خطأ عند سيبويه، وسيبويه لا يَجُوزُ عنده أن يُبتَدأَ بأنّ ولكنْ قال بعض النحويين يجوز أن تكون "أنّ" الثانية في موضع رفع على اضمار مبتدأ أي فالذي له أنّ الله غفور رحيم ومن كسرهما جميعاً جعل الأولى مبتدأة وجَعَلَ كَتَبَ بمعنى قال وكَسَرَ الثانية لأنها بعد الفاء في جواب الشرط، ومَنْ كَسَرَ الأولى وفَتحَ الثانية جَعَلَ الأولى كما قلنا وفتح الثانية على اضمار مبتدأ، وأنكر أبو حاتم هذه القراءة ولم يَقعْ إليه، ومن فتح الأولى وكَسَرَ الثانية جعل الأولى كما ذكرنا فيمن فَتَحَهُمَا جميعاً وكسر الثانية على ما يجب فيها بعد الفاء فهذه القراءة بيِّنَةٌ في العربية.
اعراب آيات سورة ( الأنعام )
{ وَكَذَلِكَ نفَصِّلُ ٱلآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ ٱلْمُجْرِمِينَ }
{وَكَذَلِكَ نفَصِّلُ ٱلآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ ٱلْمُجْرِمِينَ..} [55]
يقال: هذه اللام تتعلّق بالفعل فأينَ الفعلُ الذي تَعلقت به فالكوفيون يقولون: التقدير وكذلك نفصل الآيات لنُبَيِّنَ لكم ولتستبين سبيلُ المجرمين. قال أبو جعفر: وهذا الحذف كُلُّه لا يحتاجُ إليه والتقدير وكذلك نفصل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين فصلناها. والسبيل يُذكر ويُؤنّث والتأنيث أكثر، وقرأ يحيى بن وثّاب وطَلْحة بن مُصرَفٍ {.. قَدْ ضلِلْتُ إذاً..} [آية 56] بكسر اللام وقال أبو عمرو بن العلاء ضَلِلْتُ لغة تميم.

{ قُلْ إِنِّي عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَكَذَّبْتُم بِهِ مَا عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ ٱلْحُكْمُ إِلاَّ للَّهِ يَقُصُّ ٱلْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ ٱلْفَٰصِلِينَ }
{قُلْ إِنِّي عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَكَذَّبْتُم بِهِ..} [57]
الضمير يعود على البيّنة وذُكِّرَتْ لأن البيانَ والبيّنة واحدٌ وقيل: التقدير وكذّبتم بما جئتُ به. قال أبو جعفر: قد ذكرنا {يَقضي الحقّ} و {يَقُصُّ ٱلْحَقَّ}.

{ قُل لَّوْ أَنَّ عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ ٱلأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِٱلظَّالِمِينَ }
{قُل لَّوْ أَنَّ عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ..} [58]
أي من العذاب {لَقُضِيَ ٱلأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ} أي لا نقطع إلى آخره.
اعراب آيات سورة ( الأنعام )
{ وَعِندَهُ مَفَاتِحُ ٱلْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَآ إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَٰتِ ٱلأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَٰبٍ مُّبِينٍ }
{وَعِندَهُ مَفَاتِحُ ٱلْغَيْبِ..} [59]
الذي هو يفتح علم الغيب إذا أراد جل وعز أن يُخبرَ به نَبِيّاً أو غَيرَهُ ومفاتح جمع مِفْتَحٍ هذه اللغة الفصيحة ويقال مفتاح والجمع مفاتيح. وقرأ الحسن، وعبد الله بن أبي إسحاق {وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ/ 68 ب/ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ} عطفاً على المعنى ويجوز {وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ ٱلأَرْضِ} على الابتداء والخبر {إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ} أي كَتَبَهَا الله لِتَعْتَبِر الملائكة بذلك.

{ وَهُوَ ٱلَّذِي يَتَوَفَّٰكُم بِٱلَّيلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِٱلنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَىٰ أَجَلٌ مُّسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ }
{وَهُوَ ٱلَّذِي يَتَوَفَّاكُم..} [60]
ابتداء وخبر أي يَستَوفي عَدَدَكُمْ {ٱللَّيْلِ} وفي الليل واحد وقرأ أبو رجاء وطلحة بن مُصرِّف {ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَىٰ أَجَلٌ مُّسَمًّى}.

{ وَهُوَ ٱلْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً حَتَّىٰ إِذَا جَآءَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ }
{.. حَتَّىٰ إِذَا جَآءَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ..} [61]
هذا اختيار الخليل وهي قراءة نافع على تخفيف الهمزة الثانية ويجوز تخفيفهما وحذف احداهما. {تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا} على تأنيث الجماعة كما قال {فلما جاءتهم رُسُلُهُمْ بالبيّناتِ} وقرأ حمزة {تَوفّاه رُسلُنا} على تذكير الجمع وقرأ الأعمش {يتوفّاه رُسلُنا} بزيادة ياء في أوله والتذكير.
اعراب آيات سورة ( الأنعام )
{ ثُمَّ رُدُّوۤاْ إِلَىٰ ٱللَّهِ مَوْلاَهُمُ ٱلْحَقِّ أَلاَ لَهُ ٱلْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ ٱلْحَاسِبِينَ }
{ثُمَّ رُدُّوۤاْ إِلَىٰ ٱللَّهِ مَوْلاَهُمُ ٱلْحَقِّ..} [62]
على النعت وقرأ الحسن {ٱلْحَقَّ} بالنصب يكون مصدراً وبمعنى أعنى، ومعنى مولاهم الحقّ أنه خالقهم ورازقهم ونافعهم وضارهم وهذا لا يكون إلا الله جل وعز {أَلاَ لَهُ ٱلْحُكْمُ} أي اعلموا وقولوا له الحكمُ وحدَهُ.

{ قُلْ مَن يُنَجِّيكُمْ مِّن ظُلُمَاتِ ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَّئِنْ أَنجَانَا مِنْ هَـٰذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّاكِرِينَ }
{.. تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً..} [63]
مصدر ويجوز أن يكون حالاً ومعنى ذوي تَضرّعٍ وروى أبو بكر ابن عَيّاشٍ عن عاصم {وَخِفْيةً} بكسر الخاء وَرُوِيَ عن الأعمش {وخيفة} الياء قبل الفاء وهذا معنى بعيد لأن معنى تضرعاً أن يُظْهِرُوا التذَلّلَ وَخُفْيَةً أن يُبطِنُوا مثلَ ذلك قرأ الكوفيون {لَّئِنْ أَنجَانَا} واتساق الكلام بالتاء كما قرأ أهل المدينة وأهل الشام.

{ قُلْ هُوَ ٱلْقَادِرُ عَلَىٰ أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ ٱنْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ ٱلآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ }
{.. أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً..} [65]
وَرُوِي عن أبي عبد الله المدني {أو يلبِسكُمْ} بضم الياء أي يُجَلِّلكُم العذابَ وَيَعُمكُمْ به وهذا من اللُّبسِ [بضم اللام والأول من اللَّبس] بفتحها وهو موضع مشكل والاعراب يُبَيّنُهُ. قيل: التقدير أو يَلبِس عليكم أَمرَكُم فَحذَفَ أحد المفعولين وحرف الجر كما قال جل وعز {وإذا كالوهم أو وزنوهم} وهذا اللبسُ بأن يكون يُطلِقُ لبعضهم أن يحارب بعضاً أو يريهم آية يتفرقون عندها فيروا شِيعاً و {شيعاً} نصب على الحال أو المصدر وقيل: معنى يلبِسكُم شيعا يقوّي عدوكم حتى يُخالِطكُم فاذا خالطكم فقد لَبِسكُم فرقاً {وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ} بالحرب.
اعراب آيات سورة ( الأنعام )
{ لِّكُلِّ نَبَإٍ مُّسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ * وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ ٱلْحَقُّ قُل لَّسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ }
{.. قُل لَّسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ..} [66]
لم أومر أن أحفظكم من التكذيب والكفر.
رُوِي عن ابن عباس {لِّكُلِّ نَبَإٍ مُّسْتَقَرٌّ..} [67] أي لكل خبر حقيقة.

{ وَإِذَا رَأَيْتَ ٱلَّذِينَ يَخُوضُونَ فِيۤ ءَايَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ ٱلشَّيْطَٰنُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ ٱلذِّكْرَىٰ مَعَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّٰلِمِينَ }
{وَإِذَا رَأَيْتَ ٱلَّذِينَ يَخُوضُونَ فِيۤ آيَاتِنَا..} [68]
التقدير واذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا بالتكذيب والرد والاستهزاء {فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ} مُنكِراً عليهم {حَتَّىٰ يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ ٱلشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ ٱلذِّكْرَىٰ مَعَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ} فأدّب الله جل وعز نبيه فهذا صلى الله عليه وسلم لأنه كان يَقعُدُ الى قوم من المشركين يعظهم ويدعوهم فيستهزئون بالقرآن فأمره الله عز وجل أن يُعرِض عنه إِعراض مُنكرٍ ولا يقبِل عليه وكان في هذا ردّ في كتاب الله عز وجل على من زعم أن الأئمة الذين هم حُجَدٌ وأتباعَهُمْ لهم أن يخالطوا الفاسقين ويَصُوّبُوا آراهم تَقِيةً، وقرأ عبد الله بن عامر {وإما يُنَسِّينَّكَ ٱلشَّيْطَانُ} على التكثير.

{ وَمَا عَلَى ٱلَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَلَـٰكِن ذِكْرَىٰ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ }
{.. وَلَـٰكِن ذِكْرَىٰ..} [69]
في موضع نصب على المصدر ويجوز أن تكون في موضع رفع بمعنى ولكن الذي يفعلونه ذكرى أي ولكن عليهم ذكرى، وقال الكسائي: المعنى ولكن هذه ذكرى.
اعراب آيات سورة ( الأنعام )
{ وَذَرِ الَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً وَغَرَّتْهُمُ ٱلْحَيَٰوةُ ٱلدُّنْيَا وَذَكِّرْ بِهِ أَن تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ وَإِن تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لاَّ يُؤْخَذْ مِنْهَآ أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ أُبْسِلُواْ بِمَا كَسَبُواْ لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ }
{.. وَذَكِّرْ بِهِ أَن تُبْسَلَ..} [70]
في موضع نصب أي كراهة أن تُبسلَ. {بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ} في موضع نصب على خبر كانوا.

{ قُلْ أَنَدْعُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُنَا وَلاَ يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَىٰ أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا ٱللَّهُ كَٱلَّذِي ٱسْتَهْوَتْهُ ٱلشَّيَاطِينُ فِي ٱلأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى ٱلْهُدَى ٱئْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَى ٱللَّهِ هُوَ ٱلْهُدَىٰ وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ }
{قُلْ أَنَدْعُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُنَا..} [71]
أي ما لا ينفعنا إن دعوناه {وَلاَ يَضُرُّنَا} إن تركناه {وَنُرَدُّ عَلَىٰ أَعْقَابِنَا} أي نَرجِعُ إلى الضلالة بعد الهدى. وواحد الأعقاب عَقِبٌ وهي مُؤنّثةٌ تصغيرها عُقَيْبَةٌ {كَٱلَّذِي} الكاف في موضع نصب نعت لمصدر. {ٱسْتَهْوَتْهُ ٱلشَّيَاطِينُ} على تأنيث الجماعة وقرأ حمزة {استهواه الشياطين} على تذكير الجمع، ورُوِيَ عن ابن مسعود {استهواه الشيطان} وعن الحسن {استهوته الشياطونَ} رواه محبوبٌ عن عمرو عن الحسن وهو لَحْنٌ. {حَيْرَانَ} نصب على الحال ولم ينصرف لأنّ أنثاه حيرى {لَهُ أَصْحَابٌ/ 69 أ/ يَدْعُونَهُ إِلَى ٱلْهُدَى ٱئْتِنَا} وفي الابتداء إِيتِنَا والأصل بهمزتين أبدِلَتْ من إحداهما ياء لئلا يجتمعا. {وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ} لام كي. قال أبو جعفر: وسَمِعْتُ أبا الحسن بن كيسان يقول: هي لام الخفض واللامات كلها ثلاث لام خفض ولام أمر ولام توكيد لا يخرج شيء عنها.

{ وَأَنْ أَقِيمُواْ ٱلصَّلاةَ وَٱتَّقُوهُ وَهُوَ ٱلَّذِيۤ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ *وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ بِٱلْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُن فَيَكُونُ قَوْلُهُ ٱلْحَقُّ وَلَهُ ٱلْمُلْكُ يَوْمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِ عَٰلِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَٰدَةِ وَهُوَ ٱلْحَكِيمُ ٱلْخَبِيرُ }
{وَأَنْ أَقِيمُواْ ٱلصَّلاةَ..} [72]
فيه ثلاثة أقوال: فمذهب الفراء أنّ المعنى وأُمِرنَا لأن نُسْلِمَ وأن أقيموا، والجواب الثاني أن يكون المعنى وبأن أقيموا الصلاة والثالث أن يكون عطفاً على المعنى أي يدعونه الى الهدى ويدعونه أن أقيموا الصلاة، لأن معنى "ائتنا" أن ائتنا {وَهُوَ ٱلَّذِيۤ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} ابتداء وخبر وكذا {وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ بِٱلْحَقِّ..} [73] {وَيَوْمَ يَقُولُ} فيه ثلاثة أجوبة يكون عطفاً على الهاء في "واتّقوه"، والثاني أن يكونَ عطفاً على السموات، والثالث أن يكون بمعنى اذكرْ. {كُن فَيَكُونُ} فيه ثلاثة أجوبة: قال الفراء: يقال إنه للصور خاصة ويومَ يقول للصور كُنْ فيكون، والجواب الثاني أن يكون المعنى فيكون جميع ما أراد من موت الناس وحياتهم وعلى هذين الجوابين {قَوْلُهُ ٱلْحَقُّ} ابتداء وخبر، والجواب الثالث أن يكون قوله رفعاً بيكون والحق من نعته. {يَوْمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِ} فيه ثلاثة أجوبة: يكون بدلاً من يوم، والجواب الثاني أن يكون التقدير قوله الحق يَومَ ينفخ في الصور، والجواب الثالث أن يكون التقدير وله الملك يَومَ يُنفَخُ في الصّور. {عَالِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ} فيه ثلاثة أجوبة يكون نعتاً للذي أي وهو الذي خلق السموات عالمُ الغيب، ويكون على اضمار مبتدأ وقرأ الحسن والأعمش وعاصم {عَالِمِ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ} يكون بدلاً من الهاء التي في {له}، والجواب الثالث في الرفع أن يكون محمولاً على المعنى أي يَنفُخُ فيه عَالِمُ الغَيبِ لأنه إذا كان النفخ فيه يأمر الله كان منسوباً إلى الله جل وعز وأنشد سيبويه:
لِيبْكَ يَزِيدُ ضَارِعٌ لِخُصُومَةٍ * وأشعَثُ مِمَّن طَوَّحَتْهُ الطَّوَائِحُ
اعراب آيات سورة ( الأنعام )
{ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَاماً آلِهَةً إِنِّيۤ أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ }
{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ..} [74]
تكلّم العلماء في هذا فقال الحسن: كان اسم أبيه آزَرَ وقيل كان له اسمان آزر وتارح، وَرَوَى المُعْتَمِرُ بنُ سليمان عن أبيه قال: بلغني أنها أعوَجُ قال: وهي أشدّ كلمة قالها إبراهيم صلى الله عليه وسلم لأبيه، وقال الضحاك: معنى آزر شيخ. قال أبو جعفر: يكون هذا مشتقاً من الأزر وهو الظّهْرُ ولا ينصرف لأنه على أفعَلَ ويكون بدلاً كما يقال: رَجلٌ أجوف أي عظيم الجوف، وكذا آزر يكون عظيم الأزر معَوّجهُ، ورُوِيَ عن ابن عباس أنه قرأ {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ أَإِزرا} بهمزتين فالأولى مفتوحة والثانية مكسورة هذه رواية أبي حاتم ولم يُبَيِّنْ معناه فيجوز أن يكون مشتقاً من الأزر أي الظَّهْر ويكون معناه القوة ويكون مفعولاً من أجلِهِ، ويجوز أن يكون بمعنى وَزْرٍ كما يقال: وسادَةٌ وإِسَادَةٌ وفي رواية غير أبي حاتم بهمزتين مفتوحتين وفي الروايتين {تَتَّخِذُ} بغير ألف {أَصْنَاماً آلِهَةً} مفعولان وفيه معنى الانكار {إِنِّيۤ أَرَاكَ وَقَوْمَكَ} عطفاً على الكاف.

{ وَكَذَلِكَ نُرِيۤ إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ ٱلْمُوقِنِينَ }
قرأ أبو السَمّال العَدَوِي {وَكَذَلِكَ نُرِيۤ إِبْرَاهِيمَ مَلْكُوتَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ..} [75] باسكان اللام ولا يجوز عند سيبويه حَذْفُ الفتحة لِخِفّتِهَا ولَعلّهَا لُغةُ {وَلِيَكُونَ مِنَ ٱلْمُوقِنِينَ} أي وليكونَ مِنَ الموقنين أريناه.

{ فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ ٱلْلَّيْلُ رَأَى كَوْكَباً قَالَ هَـٰذَا رَبِّي فَلَمَّآ أَفَلَ قَالَ لاۤ أُحِبُّ ٱلآفِلِينَ }
{فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ ٱلْلَّيْلُ رَأَى كَوْكَباً..} [76]
مفعول. {قَالَ هَـٰذَا رَبِّي} ابتداء وخبر ومن أحسن ما قيل في هذا ما صحّ عن ابن عباس رحمه الله أنه قال في قول الله جل وعز {نورٌ على نور} قال: كذا قلبُ المؤمن يعرف الله جل وعز ويستدلّ عليهِ بقلبه فإِذا عرفه ازداد نوراً على نور وكذا إبراهيم صلى الله عليه وسلم عَرَفَ الله عز وجل بقلبه واستدلّ عليه بدلائله فعلم أن له رباً وخالقاً فلما عَرَّفَهُ الله جل وعز بنفسه ازداد معرفة فقال: {أتُحَاجُّونِّي في الله وقد هَدَانِ}.
اعراب آيات سورة ( الأنعام )
{ فَلَماَّ رَأَى ٱلشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَـٰذَا رَبِّي هَـٰذَآ أَكْبَرُ فَلَمَّآ أَفَلَتْ قَالَ يٰقَوْمِ إِنِّي بَرِيۤءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ }
{فَلَماَّ رَأَى ٱلشَّمْسَ بَازِغَةً..} [78]
نصب على الحال لأن هذا من رؤية العين {قَالَ هَـٰذَا رَبِّي} قال الكسائي والأخفش: أي قال هذا الطالع ربي، وقال غيرهما: أي هذا الضوء قال أبو الحسن علي بن سليمان: أي هذا الشخص/ 69 ب/ كما قال الأعشى:
قَامَتْ تَبكِّيهِ علـى قَبْرِهِ * مَنْ لِيَ مِنْ بَعدِكَ يا عامِرُ
تَرَكتنِي في الدَّارِ ذا غُرْبَةٍ * قَد ذَلّ مَنْ لَيْسَ لَهُ ناصِرُ

{ إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ حَنِيفاً وَمَآ أَنَاْ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ }
{إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ حَنِيفاً..} [79].
أي قصدت بعبادتي وتوحيدي لله جل وعز وحده. {وَمَآ أَنَاْ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ} اسم "ما" وخبرها، وإِذا وقفت قلتَ: أنا، زدت الألف لبيان الحركة ومن العرب من يقول "انَهْ".

{ وَحَآجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَٰجُّوۤنِّي فِي ٱللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلاَ أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاَّ أَن يَشَآءَ رَبِّي شَيْئاً وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ }
{وَحَآجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّوۤنِّي..} [80]
قرأ نافع {أَتُحَاجُّوۤني} بنون مُخَفَّفَةٍ وحُكِيَ عن أبي عمرو بن العلاء أنه قال: هو لَحْنٌ وأجاز سيبويه ذلك وقال: استَثْقَلُوا التَّضعِيفَ، وأنشد:
تَرَاهُ كالثّغَامِ يُعَلُ مِسْكاً * يَسُوءُ الفالِياتِ إذا فَلَيْني
قال أبو عبيدة وإِنما كُرِهَ التثقيل من كَرِهَهُ للجمع بين ساكنين وهما الواو والنون فحذفوها. قال أبو جعفر: والقول في هذا قول سيبويه ولا ينكر الجمع بين ساكنين اذا كان الأول حرفَ مدّ ولين والثاني مُدّغَماً. {وَقَدْ هَدَانِ} بحذف الياء لأن الكسرة تدلّ عليها والنون عوض منها إذا حذفتها وإِثباتها حسن. {وَلاَ أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ} أي لأنه لا ينفع ولا يضرّ و {مَا} في موضع نصب {إِلاَّ أَن يَشَآءَ رَبِّي شَيْئاً} في موضع نصب استثناء ليس من الأول {وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً} بيان.
اعراب آيات سورة ( الأنعام )
{ وَكَيْفَ أَخَافُ مَآ أَشْرَكْتُمْ وَلاَ تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِٱللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَٰناً فَأَيُّ ٱلْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِٱلأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ }
{وَكَيْفَ أَخَافُ مَآ أَشْرَكْتُمْ..} [81]
مفعول وكذا {وَلاَ تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِٱللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً} أي حجة {فَأَيُّ ٱلْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِٱلأَمْنِ} ابتداء وخبر {إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} أي إن كنتم تعلمون فإِنّ من خاف من ينفع ويضر أولى بالأمن منكم.

{ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُوۤاْ إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَـٰئِكَ لَهُمُ ٱلأَمْنُ وَهُمْ مُّهْتَدُونَ * وَتِلْكَ حُجَّتُنَآ ءَاتَيْنَٰهَآ إِبْرَٰهِيمَ عَلَىٰ قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَٰتٍ مَّن نَّشَآءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ }
{ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُوۤاْ إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ..} [82]
مبتدأ {أُوْلَـٰئِكَ} ابتداء ثان {لَهُمُ ٱلأَمْنُ} خبره والجملة خبر الأول. {وَهُمْ مُّهْتَدُونَ} ابتداء وخبر.
وكذا {وَتِلْكَ حُجَّتُنَآ..} [83] قراءة أهل الحرمين وأبي عمرو {نَرفعُ دَرَجاتِ مَن نَّشاءُ} بالاضافة وقرأ أهل الكوفة {نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَآءُ} بتقدير ونرفع من نشاء إلى درجات ثم حذفت "الى".

{ وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحاً هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَىٰ وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ }
{وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ..} [84]
اسمان أعجميان لا ينصرفان في المعرفة وينصرفان في النكرة فإن أخذت اسحاق من أسحَقَهُ الله انصرف وكذا يعقوب إن كان منقولاً انصرف بكل حال يقال لِذَكر القَبْحِ: يعقوب. {كُلاًّ} نصب بهدينا {وَنُوحاً} نصب بهدينا الثاني. {وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ} قال الفراء عطف على نوح وقال الأخفش: عطف على إسحاق وكذا {وَأَيُّوبَ} وما بعده ولم ينصرف داود لأنه اسم عَجميّ وكل ما كان على فاعول لا يحسن فيه الألف واللام لم ينصرف وسليمان اسم اعجمي ويجوز أن يكون مشتقاً من السلامة ولا ينصرف لأن فيه ألفاً ونوناً زائدتين، وأيوب اسم عجمي وكذا يوسف، وقرأ طلحة بن مصرف وعيسى بن عمر {وَيُوسِفُ} بكسر السين. قال أبو زيد يقول العرب يُؤسِفُ بالهمز وكسر السين وفتحها يُؤسَفُ مهموز، وموسى اسم عَجْميّ، فأما مُوسى الحَدِيد فإِن سَمّيتَ بها رجلاً لم تنصرف لأنها مؤنثة، وعيسى اسم عجمي وإِنْ جعلتَهُ مشتقاً لم ينصرف لأن في آخره ألفاً تشبه ألف التأنيث واشتقاقه من عاسَهُ يَعُوسُه انقلبت الواو ياءاً لانكسار ما قبلها ويجوز أن يكون مشتقاً من العَيْس وهو ماء الفحل.
اعراب آيات سورة ( الأنعام )
{ وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَىٰ وَعِيسَىٰ وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ ٱلصَّالِحِينَ }
{وَزَكَرِيَّا..} [85] اسم عَجَميّ ويجوز أن يكون عربياً فيه ألف تأنيث ولا ينصرف في معرفة ولا نكرة {وَيَحْيَىٰ} لم ينصرف لأن أصله من الفعل وكتب بالياء فرقاً بَينَ الاسم والفعل {وَإِلْيَاسَ} عَجَميّ وقرأ الأعرج والحسن وقتادة {وَإِلْيَاسَ} بوصل الألف قال الفراء: ويجوز في هذا كُلّه الرفع كما تقول: أخذتُ صدقاتهم لِكلّ مائةِ شاةٍ شاةٌ وشاةً.

{ وَإِسْمَاعِيلَ وَٱلْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكُلاًّ فَضَّلْنَا عَلَى ٱلْعَالَمِينَ }
{وَإِسْمَاعِيلَ..} [86]
عَجَميّ وقرأ أهل الحرمين وأبو عمرو وعاصم {وَٱلْيَسَعَ} بلام مخففة، وقرأ الكوفيون إلا عاصماً {واللّيْسَعَ}، وكذا قرأ الكسائي وَرَدّ قراءة من قرأ "وَٱلْيَسَعَ" قال: لأنه لا يقال: اليَفْعَلُ مثل اليَحْيى وهذا الرد لا يلزم والعرب تقول: اليَعْمَلُ واليَحْمَدُ ولو نكّرتَ يحيى لقلت: اليَحْيَى، وردّ أبو حاتم على من قرأ {ٱلّيْسَعَ}/70 أ/ وقال: لا يوجد لَيْسَعَ. قال أبو جعفر: وهذا الرد لا يلزم قد جاء في كلام العرب حَيْدَرٌ وزَيْنَبٌ والحق في هذا انه اسم عَجَميّ والعَجَمِيّةُ لا تؤخذ بالقياس إنما تُؤدَّى سماعاً والعرب تُغيِّرها كثيراً فلا يُنكَرُ أن يأتي الاسم بلغتين {وَيُونُسَ} عجمي وإن قلت: يُونِس أو يُونَس لم تصرفه لأن أصله من الفعل {وَلُوطاً} عَجميّ انصرف لخفته.

{ وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَٱجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }
{.. وَٱجْتَبَيْنَاهُمْ..} [87]
أي اخترناهم مشتقّ من جَبَيْتُ الماء في الحوض أي جمعته.
اعراب آيات سورة ( الأنعام )
{ أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحُكْمَ وَٱلنُّبُوَّةَ فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَـٰؤُلاۤءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَّيْسُواْ بِهَا بِكَافِرِينَ }
{أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحُكْمَ وَٱلنُّبُوَّةَ..} [89]
ابتداء وخبر. {فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَـٰؤُلاۤءِ} شرط، وجوابه {فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً} أي بالإيمان بها قوماً {لَّيْسُواْ بِهَا بِكَافِرِينَ} الباء الثانية توكيد.

{ أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ ٱقْتَدِهْ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَىٰ لِلْعَالَمِينَ }
{أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُ..} [90]
ابتداء وخبر. {فَبِهُدَاهُمُ ٱقْتَدِهْ} فيه قولان: أحدُهُما أن المعنى اصبِرْ كما صبروا، والآخر أنه صحّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يُحِبُّ أن يَتّبِعَ أهل الكتاب فيما لم يُنْهَ عنه ولم يُنْسَخْ وقرأ عبد الله بن عامر {فَبِهُدَاهُمُ ٱقْتَدِهِ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً} وهذا لَحْنٌ لأن الهاء البيان الحركةَ في الوقف وليست يهاء إضمار ولا بعدها واو ولا ياء أيضاً لا يجوز {فَبِهُدَاهُمُ ٱقْتَدِهِ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً} ومن اجتنب اللحن واتبع السواد قرأ {فَبِهُدَاهُمُ ٱقْتَدِهْ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ} فوقف ولم يصل لأنه إن وصل بالهاء لحن وإن حذفها خالف السواد.

{ وَمَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُواْ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ عَلَىٰ بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنزَلَ ٱلْكِتَٰبَ ٱلَّذِي جَآءَ بِهِ مُوسَىٰ نُوراً وَهُدًى لِّلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيراً وَعُلِّمْتُمْ مَّا لَمْ تَعْلَمُوۤاْ أَنتُمْ وَلاَ ءَابَآؤُكُمْ قُلِ ٱللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ }
{وَمَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ..} [91]
مصدر. قال أبو جعفر: وقد ذكرناه أنه قيل المعنى وما عظّموا الله حق تعظيمه وهذا يكون من قولهم: لِفُلانٍ قَدْرٌ. وشرح هذا أَنهم لما {قَالُواْ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ عَلَىٰ بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ} نسبوا الله جل وعز إلى أنه لا يقيم الحجة على عباده ولا يأمرهم بما لهم فيه الصلاح فلم يُعظّموهُ حق تعظيمه ولا عرفوه حق معرفته وقد قيل: المعنى وما قَدَروا نِعَمَ الله حق تقديرها، وقرأ أبو حيوة {وَمَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدَرِهِ} بفتح الدال وهي لغة. {تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ} أي في قراطيس مثل {واختار مُوسى قَومَهُ}.
اعراب آيات سورة ( الأنعام )
{ وَهَـٰذَا كِتَٰبٌ أَنزَلْنَٰهُ مُبَارَكٌ مُّصَدِّقُ ٱلَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنذِرَ أُمَّ ٱلْقُرَىٰ وَمَنْ حَوْلَهَا وَٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱلأَخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَىٰ صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُونَ }
{وَهَـٰذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ..} [92]
نعت ويجوز نصبه في غير القرآن على الحال وكذا {مُّصَدِّقُ ٱلَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنذِرَ أُمَّ ٱلْقُرَىٰ} أي أنزلناه لهذا.

{ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً أَوْ قَالَ أُوْحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَآ أَنَزلَ ٱللَّهُ وَلَوْ تَرَىۤ إِذِ ٱلظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ ٱلْمَوْتِ وَٱلْمَلاۤئِكَةُ بَاسِطُوۤاْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوۤاْ أَنْفُسَكُمُ ٱلْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ ٱلْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ غَيْرَ ٱلْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ }
{.. وَمَن قَالَ..} [93]
في موضع خفض أي ومن أظلم ممن قال {سَأُنزِلُ مِثْلَ مَآ أَنَزلَ ٱللَّهُ وَلَوْ تَرَىۤ إِذِ ٱلظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ ٱلْمَوْتِ} وحذف الجواب أي لرأيت عذاباً عظيماً.
{وَٱلْمَلاۤئِكَةُ بَاسِطُوۤاْ أَيْدِيهِمْ} ابتداء وخبر والأصل باسطون أيديهم يقولون {أَخْرِجُوۤاْ أَنْفُسَكُمُ} وحذف أي أخرجوا أنفسكم من العذاب أي خلصوها. {ٱلْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ ٱلْهُونِ} أي عذاب الهوان {بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ غَيْرَ ٱلْحَقِّ} أي تَدعون معه شريكاً وتقولون: لم يبعثْ محمداً صلى الله عليه وسلم.

{ وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَٰدَىٰ كَمَا خَلَقْنَٰكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَّا خَوَّلْنَٰكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَىٰ مَعَكُمْ شُفَعَآءَكُمُ ٱلَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَآءُ لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ }
{وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَىٰ..} [94]
في موضع نصب على الحال ولم ينصرف لأن فيه ألِف تأنيث وقرأ أبو حيوة {فُرَاداً} بالتنوين قال هارون: لغة تميم فُرَاداً بالتنوين وهؤلاء يقولون: في موضع الرفع فرادٌ وحكى أحمد بن يحيى فُرَادُ بلا تنوين مثل ثَلاثَ ورُباعَ. قال أبو جعفر: المعنى ولقد جئتمونا منفردين ليس معكم ناصر ممن كان يصاحبكم في الغيّ. {كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} فيه ثلاثة أقوال: يكون منفردين كما خُلِقُوا، ويكون عراة، ويكون كما خلقناكم أعدناكم. {وَمَا نَرَىٰ مَعَكُمْ شُفَعَآءَكُمُ} أي الذين عبدتموهم وجعلتموهم شركاء في أموالكم {لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ} قال أبو عمرو أي وَصْلُكم و {بَينَكُم} على الظرف.
اعراب آيات سورة ( الأنعام )
{ إِنَّ ٱللَّهَ فَالِقُ ٱلْحَبِّ وَٱلنَّوَىٰ يُخْرِجُ ٱلْحَيَّ مِنَ ٱلْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ ٱلْمَيِّتِ مِنَ ٱلْحَيِّ ذٰلِكُمُ ٱللَّهُ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ }
{إِنَّ ٱللَّهَ فَالِقُ ٱلْحَبِّ وَٱلنَّوَىٰ..} [95]
أي يشقّ النواة فَيُخرِجُ منها ورقاً أخضر وكذا الحبة ويخرج من الورق الأخضر نواة ميتة وحبة وهذا معنى {يُخْرِجُ ٱلْحَيَّ مِنَ ٱلْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ ٱلْمَيِّتِ مِنَ ٱلْحَيِّ} وروى عن ابن عباس: يخرج البشر الحي من النطفة الميتة والنطفة من البشر الحي {ذٰلِكُمُ ٱللَّهُ} إبتداء وخبر {فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ}/70 ب/ فمن أين تًصرَفُونَ عن الحق مع ما ترون من قدرة الله جل وعز.

{ فَالِقُ ٱلإِصْبَاحِ وَجَعَلَ ٱلْلَّيْلَ سَكَناً وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ حُسْبَاناً ذٰلِكَ تَقْدِيرُ ٱلْعَزِيزِ ٱلْعَلِيمِ }
{فَالِقُ ٱلإِصْبَاحِ..} [96]
نعت وهو معرفة لا يجوز فيه التنوين عند أحد من النحويين إلا عند الكسائي ومعنى فالق الإصباح الذي خلق له فَلقاً وهو الفجر. يقال للفجر: فَلَقُ الصُّبْحِ وَفَرقُهُ وقرأ الحسن وعيسى بن عمر {فَالِقُ ٱلأَصْبَاحِ} بفتح الهمزة وهو جمع صُبْحٍ وروى الأعمش عن إبراهيم النخعي أنه قرأ {فَلَقَ الإِصباحَ} على فَعلَ والهمزة مكسورة والحاء منصوبة وقرأ الحسن وعيسى بن عمر وحمزة والكسائي {وَجَعَلَ ٱلْلَّيْلَ سَكَناً} أي جعله يصلح أن يُسْكَنَ فيهِ وقرأ أهل المدينة {وَجَاعِلُ ٱلْلَّيْلَ سَكَناً} {وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ حُسْبَاناً} نصب الشمس والقمر عطفاً على المعنى أي وجَعَلَ، والخفض بعيد لضعف الخافض وأنك قد فرقت، وقد قرأ يزيد بن قطيب السكوني {وَجَاعِلُ ٱلليلِ سَكَناً وٱلشَّمْسِ وٱلقَمَرِ} بالخفض عطفاً على اللفظ وقال الأخفش: حسباناً أي بحسبان. قال: وهو جمع حساب مثل شهاب وَشُهبَانٍ وقال يعقوب: حسبان مصدر حَسِبْتُ الشيء أَحسبهُ حَسْباً وحُسْباناً، والحساب الاسم وقال غيره: جعل الله جل وعز سَيْرَ الشمس والقمر بحساب لا يزيد ولا ينقص فدلَّهم الله جل وعز بذلك على قدرته ووحدانيته {ذٰلِكَ تَقْدِيرُ ٱلْعَزِيزِ ٱلْعَلِيمِ} ابتداء وخبر.

{ وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَنشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَٰحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا ٱلآيَٰتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ }
قرأ ابن عباس وسعيد بن جبير والحسن وأبو عمرو وعيسى والأعرج وشَيبَةُ والنخعي {.. فَمُسْتَقِرٌّ..} بكسر القاف [98].
وقرأ أبو جعفر ونافع وحمزة والكسائي {فَمُسْتَقَرٌّ} بفتح القاف والرفع بالابتداء فيها إلا أن التقدير فيمن كسر القاف: فمنها مستقِرٌّ والفتح بمعنى فلها مستقر: قال عبد الله بن مسعود: فلها مُسْتَقر في الرحم ومستودع في الأرض وهذا التفسير يدلّ على الفتح، وقال الحسن فَمُستقِرٌّ في القبر وأكثر أهل التفسير يقولون: المستقر ما كان في الرحم والمستودع ما كان في الصلب.
اعراب آيات سورة ( الأنعام )
{ وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِراً نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبّاً مُّتَرَاكِباً وَمِنَ ٱلنَّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّٰتٍ مِّنْ أَعْنَابٍ وَٱلزَّيْتُونَ وَٱلرُّمَّانَ مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشَٰبِهٍ ٱنْظُرُوۤاْ إِلِىٰ ثَمَرِهِ إِذَآ أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذٰلِكُمْ لأَيَٰتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ }
{وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً..} [99]
والأصل في ماء "ماه" والهاء خَفِيّة والألف كذلك فأُبدِلَ من الهاء همزة لأن الهمزة جَلْدَةٌ {فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ} أي كل شيء نابت. {فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِراً} قال الأخفش: أي أخضر كما يقول العرب: "أَرِنيهَا نَمِرةً أُرِكُهَا مَطِرةً". {وَمِنَ ٱلنَّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ} رفع بالابتداء، وأجاز الفراء في غير القرآن "قنواناً دانية" على العطف على ما قبله. قال سيبويه: ومن العرب من يقول: قُنُوانٌ. قال الفراء: هذه لغة قيس، وأهل الحجاز يقولون: قِنْوانٌ، وَتَمِيمٌ تقول: قُنْيَانٌ ثم يجتمعون في الواحد فيقولون: قِنْوٌ وقُنْوٌ {وَجَنَّاتٍ مِّنْ أَعْنَابٍ} قراءة العامة بالنصب عطفاً أي فأخرجنا جناتٍ، وقرأ محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى والأعمش وهو الصحيح من قراءة عاصم {وَجَنّاتٌ} بالرفع وأَنكرَ هذه القراءة أبو عبيد وأبو حاتم حتى قال أبو حاتم: هي محال لأن الجنات لا تكون من النخل. قال أبو جعفر: والقراءة جائزة وليس التأويل على هذا ولكنه رفع بالابتداء والخبر محذوف أي ولهم جناتٌ كما قرأ جماعة من القراء {وَحُورٌ عِينٌ} وأجاز مثل هذا سيبويه والكسائي والفراء، ومِثلُهُ كثير وعلى هذا أيضاً {وحُوراً عِيناً} حكاه سيبويه وأنشد:
جِئْنِي بِمِثْلِ بَنِي بَدْرٍ لِقَومِهم * أو مِثْلَ أُسرةِ مَنْظُورٍ بنِ سَيّارٍ
فأما {وَٱلزَّيْتُونَ وَٱلرُّمَّانَ} فليس فيه إلا النصب للاجماع على ذلك.
{ٱنْظُرُوۤاْ إِلِىٰ ثَمَرِهِ إِذَآ أَثْمَرَ} قراءة أبي عمرو وأهل المدينة جمع ثمرة وقراءة يحيى ابن وثاب وحمزة والكسائي {إِلى ثُمُرِهِ} بضمتين جمع ثِمَارٍ وقيل: هذا المال المُثمّر ورُوِيَ عن الأعمش {إِلى ثُمْرِهِ} بضم الثاء واسكان الميم، حذفت الضمة لثقلها. ويجوز أن يكون جمع ثَمَرَ مثلَ بَدَنَةٍ وَبُدْنٍ وقرأ محمد بن السَمَيْفَعِ اليماني {ويانِعِهِ} أي ومدركِهِ، وقرأ ابن محيصن وابن أبي اسحاق {وَيُنْعِهِ} بضم الياء. قال الفراء: الضم/ 17 أ/ لغة بعض أهل نجد.

{ وَجَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَآءَ ٱلْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُواْ لَهُ بَنِينَ وَبَنَٰتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَٰنَهُ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يَصِفُونَ }
{وَجَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَآءَ ٱلْجِنَّ..} [100]
"ٱلْجِنَّ" مفعول أول و {شُرَكَآءَ} مفعول ثان والتقدير وجعلوا لله الجن شركاء ويجوز أن يكون الجن بدلاً من شركاء والمفعول الثاني لله، وأجاز الكسائي رفع الجنّ بمعنى هم الجن. وقرأ ابن مسعود {وهو خَلَقَهُمْ} وقرأ يحيى بن يعمر {وَخَلْقَهُمْ} باسكان اللام. قال: أي وجعلوا خلقهم لأنهم كانوا يخلقون الشيء ثم يعبدونه.

{ بَدِيعُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَّهُ صَٰحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }
{بَدِيعُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ..} [101]
بمعنى هو بديع وأجاز الكسائي خفضه على النعت لله عز وجل ونصبه بمعنى بديعاً السموات والأرض. قال أبو جعفر. وذا خطأ عند البصريين لأنه لما مضى {أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَّهُ صَاحِبَةٌ} اسم "تكن" أي من أين يكون له ولد؟ وَوَلَدُ كُلِّ شيء شَبِيهُهُ ولا شبيهَ لَهُ.
اعراب آيات سورة ( الأنعام )
{ ذٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمْ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ خَٰلِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَٱعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ }
{ذٰلِكُمُ..} [102]
في موضع رفع بالابتداء {ٱللَّهُ رَبُّكُمْ} على البدل {خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} خبر الابتداء ويجوز أن يكون ربكم الخبر و "خالق" خبراً ثانياً أو على اضمار مبتدأ وأجاز الكسائي والفراء النصب فيه.

{ قَدْ جَآءَكُمْ بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَآ أَنَاْ عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ }
{قَدْ جَآءَكُمْ بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ..} [104]
أي آيات وبراهين يُبَصَّرُ بها ويُستَدَلّ وَبَصائرُ مهموز لئلا يلتقي ساكنان والألف لا يتحرك {فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ} أي فمن استدلّ وتَعرّف {وَمَنْ عَمِيَ} فلم يستدلّ فصار بمنزلة الأعمى. {وَمَآ أَنَاْ عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ} أي لم أومر بحفظكم عن أن تهلكوا أنفسكم.

{ وَكَذٰلِكَ نُصَرِّفُ ٱلآيَاتِ وَلِيَقُولُواْ دَرَسْتَ وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ }
{وَكَذٰلِكَ نُصَرِّفُ ٱلآيَاتِ..} [105]
الكاف في موضع نصب أي ونصرف الآيات مِثْلَ ما تلونا عليك {وَلِيَقُولُواْ دَرَسْتَ} قال أبو جعفر: قد ذكرنا ما فيه من القراءات وروى شُعْبَةُ عن أبي اسحاق عن التميمي عن ابن أبي عباس "وَلِيَقُولُواْ دَرَسْتَ" قال قَرأتَ وتَعلّمتَ وفي الكلام وحذف أي وليقولوا دَرَستَ صَرّفناها. قال أبو إسحاق: هذا كما تقول: كَتبَ فُلاَنٌ هذا الكتاب لحتفه أي آل أمره إلى ذا وكذا لما صُرِّفَتِ الآيات آل أمرهم إلى أن قالوا دَرَسْتَ وتعلَمتَ. قال أبو جعفر. وفي المعنى قول آخر حَسَنٌ وهو أن يكون معنى {نُصَرِّفُ ٱلآيَاتِ} نأتي بها آيةً بَعدَ آيةٍ ليقولوا دَرَستَ علينا فيذكرون الأول بالآخر فهذا حَقِيقةُ والذين قال أبو اسحاق مجاز، ومن قرأ {دَرَسَتْ} فأحسنُ ما قيل فيه أن المعنى ولئلا يقولوا انقَطَعَتْ وامّحَتْ وليس يأتي محمد صلى الله عليه وسلم بغيرها، وأحسنُ ما قيل في {دَارَسْتَ} أن معناه دارسْتَنَا فيكون معناه كمعنى دَرَسْتَ وقيل: معناه دَارسْتَ أهل الكتاب فهذا أيضاً مجاز كما قال:
* فَلِلْمَوتِ ما تَلِدُ الوالِدَهْ *
اعراب آيات سورة ( الأنعام )
{ وَلاَ تَسُبُّواْ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ فَيَسُبُّواْ ٱللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }
{وَلاَ تَسُبُّواْ..} [108]
نَهيٌ وحذفت منه النون للجزم نَهَى اللهُ عز وجل المؤمنين أن يَسُبّوا أوثانهم لأنه عَلِمَ أنهم إِذا سبّوها نَفَرَ الكفار وازدادوا كفراً ونظيره قوله عز وجل {فَقُولا له قَوْلاً لَيِّناً}. {فَيَسُبُّواْ} جواب النهي بالفاء {عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ} مصدر ومفعول من أجله وروِيَ عن أهل مكة أنهم قرءوا {عَدُوّاً} فهذا نصب على الحال وهو واحد يُؤدِّي عن جمع مثل {فإِنّهم عَدُوّ لي إِلا ربَّ العالمينَ} ورُوِيَ عنهم "عُدُوّاً" بضم العين والدال وتشديد الواو وهذه قراءة الحسن وأبي رجاء وقتادة.

{ وَأَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَٰنِهِمْ لَئِن جَآءَتْهُمْ آيَةٌ لَّيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا ٱلآيَٰتُ عِندَ ٱللَّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَآ إِذَا جَآءَتْ لاَ يُؤْمِنُونَ }
قرأ طلحةُ بن مُصَرِّفٍ {وَأَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَآءَتْهُمْ آيَةٌ لَّيُؤْمِنُنَّ..} [109]
بالنون الخفيفة. قال سيبويه: قال الخليل: {وَمَا يُشْعِرُكُمْ} ثم أوجبَ فقال: {إِنّا}. قال أبو جعفر: هذه قراءة مجاهد وأبي عمرو وابن كثير، وقرأ أهل المدينة والأعمش وحمزة {أَنَّهَآ} بفتح الهمزة قال الخليل: "أنها" بمعنى "لعلها". قال أبو جعفر: التمام على هذه القراءة أيضاً {وَمَا يُشْعِرُكُمْ} ثم ابتدأ فقال {أَنَّهَآ} وفيه معنى الايجاب وهذا موجود في كلام العرب أن تأتي لعل وعسى بمعنى ما سيكون فأما قول الكسائي: انّ "لا" زائدة فخطأ عند البريين لأنها إِنما تزاد فيما لا يُشْكِلُ وقرأ حمزة وحدَهُ {لاَ تُؤْمِنُونَ} بالتاء.

{ وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَٰرَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ }
{وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ..} [110]
أول مرة هذه آية مُشْكِلةٌ ولا سيما وفيها {وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} فالمعنى وَنُقَلّبُ أفئدتهم وأبصارهم يوم القيامة على لَهَبِ النارِ كما لم يؤمنوا في الدنيا وَنَذَرُهُمْ/ 71 ب/ في الدنيا أي نُمهِلُهُم ولا نعاقبهم فبعض الآية في الآخرة وبعضها في الدنيا ونظيرها {وجُوهٌ يومئذٍ خاشِعَةٌ} فهذا في الآخرة "عَامِلَةٌ ناصِبَةٌ" فهذا في الدنيا.
اعراب آيات سورة ( الأنعام )
{ وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَآ إِلَيْهِمُ ٱلْمَلاۤئِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ ٱلْمَوْتَىٰ وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً مَّا كَانُواْ لِيُؤْمِنُوۤاْ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ }
{وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَآ إِلَيْهِمُ ٱلْمَلاۤئِكَةَ..} [111]
{أننا} في موضع رفع {وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً} قال هارون القارئ: أي عيانا وقال محمد بن يزيد يكون قِبَلاً بمعنى ناحيةً كما تقول: لِي قِبَلَ فلان مال و {قُبُلاً} بضم القاف والباء وفيه ثلاثة أقوال: فمذهب الفراء أنه بمعنى ضُمَنَاء كما قال {أو تأتي بالله والملائكة قَبِيلاً} وقول الأخفش بمعنى قَبِيل قَبِيل وعلى القولين هو نصب على الحال، وقال محمد بن يزيد {وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً} أي مقابلاً، ومنه {فإن كان قَمِيصُهُ قُدّ من قُبُلٍ} ومنه قُبُلُ الرجل ودُبُرُهُ لما كان من بين يديه ومن ورائه ومنه قُبُلُ الحيض وقرأ الحسن {وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبْلاً} حَذَفَ الضمة من الباء لثقلها. {مَّا كَانُواْ لِيُؤْمِنُوۤاْ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ} "أن" في موضع نصب استثناء ليس من الأول.

{ وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً شَيَٰطِينَ ٱلإِنْسِ وَٱلْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ ٱلْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ }
{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً..} [112]
حكى سيبويه {جَعَلَ} بمعنى وَصَفَ {عَدُوّاً} مفعول أول {لكُلِّ نَبِيٍّ} في موضع المفعول الثاني {شَيَاطِينَ ٱلإِنْسِ وَٱلْجِنِّ} يدل على عَدُوّ ويجوز أن تجعل "شياطين" مفعولاً أول "وعدوا" مفعولاً ثانياً. ومعنى شيطان متمرّد في معاصي الله تعالى لاحِقٌ ضَرَرُهُ بِغَيْرِهِ فإِذا كان هكذا فهو شيطان كان من الانس أو من الجن ومعناه مُمْتَد في الشّر مشتقُّ من الشَطَنِ وهو الحَبْلُ وسُمّيَ ما تُوَسْوِسُ به شياطين الجنّ إلى شياطين الإِنس وَحْياً لأنه إِنما يكون خُفْيَةً وجَعَلَ تمويهَهُمْ زُخْرفاً لنريينهم إياه و {غُرُوراً} نَصِبٌ على الحال لأن معنى {يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ} يَغُرّونَهُمْ بذلك غروراً ويجوز أن يكون في موضع الحال وَرَوَى ابن عباس باسنادٍ انه قال في قوله "يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ" لابليس مع كل جِنّي شيطان ومع كل إِنسّ شيطان فَيَلقَى أحَدُهُما الآخر فيقول له: إِني قد أضْلَلْتُ صاحبي فأضلل صاحِبكَ بِمِثْلِهِ، ويقول له الآخر: مِثلَ ذلك هذا وَحْيُ بَعضُهِمْ إلى بَعضٍ. قال أبو جعفر: والقول الأول يَدُلُّ عليه {وإِنّ الشياطينَ لَيُوحُونَ إلى أوليائهم ليجادلوكم} فهذا يُبَيّنُ معنى ذلك. {فَذَرْهُمْ} أمر فيه معنى التهديد. قال سيبويه: ولا يقال وذَرَ ولا وَدَعَ استَغْنَوا عنه بِتَركَ. قال أبو اسحاق: الواو ثقيلة فَلَمّا كان تَرَكَ ليست فيه واو بمعنى ما فيه الواو تُرِكَ ما فيه الواو وهذا معنى قوله وليس بِنَصِّهِ.

{ وَلِتَصْغَىۤ إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُواْ مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ }
{وَلِتَصْغَىۤ إِلَيْهِ..} [113]
لام كي وكذا {وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُواْ} إلا أن الحسن قرأ {وَلِيَرْضَوْهُ وَلْيَقْتَرِفُواْ} باسكان اللام جَعَلَها لام أمر فيه معنى التهديد كما يقال: افْعَلْ ما شِئْتَ.
اعراب آيات سورة ( الأنعام )
{ أَفَغَيْرَ ٱللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ ٱلْكِتَابَ مُفَصَّلاً وَٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِّن رَّبِّكَ بِٱلْحَقِّ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُمْتَرِينَ }
{أَفَغَيْرَ ٱللَّهِ..} [114]
نصب بابتغى. {حَكَماً} نصب على البيان وإِن شئت على الحال. {وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ ٱلْكِتَابَ} ابتداء وخبر وكذا {وَٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِّن رَّبِّكَ بِٱلْحَقِّ} {فَلاَ تَكُونَنَّ} نهيٌ مؤكدة بالنون الثقيلة وفُتِحَتْ لالتقاء الساكنين وقِيلَ لأنهما شَيئانِ ضُمَّ أحدُهما إلى الآخر.

{ وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ }
{وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً..} [115]
مصدر وحال.

{ وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي ٱلأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ ٱلظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ }
{وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي ٱلأَرْضِ..} [116]
أي الكُفّار {يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ} أي عن الطريق التي تُؤدِّي إلى ثوابِ الله عز وجل {إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ ٱلظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ} بمعنى "ما".

اعراب آيات سورة ( الأنعام )
{ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَن يَضِلُّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِينَ }
{إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَن يَضِلُّ عَن سَبِيلِهِ..} [117]
{مَنْ} في موضع رفع بالابتداء مثل {لِنَعلَمَ أيُّ الحِزْبَيْنِ}.

{ فَكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ ٱسْمُ ٱللَّهِ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ }
{فَكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ ٱسْمُ ٱللَّهِ عَلَيْهِ..} [118]
اسم ما لم يُسَمَّ فاعله والذِكْرُ عند أهل اللغة باللسان ويكون بالقلب مجازاً.

{ وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ ٱسْمُ ٱللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا ٱضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيراً لَّيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِم بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُعْتَدِينَ }
{وَمَا لَكُمْ..} [119]
ابتداء وخبر {ألاَّ} في موضع نصب والمعنى وأدي شيءٍ لكم في أنْ لا تأكلوا مما ذُكِرَ اسم الله عليه وسيبويه يجيز أن تكون "أنْ" في موضع جر باضمار الخافض {إِلاَّ مَا ٱضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} في موضع نصب بالاستثناء {وإِنَّ كَثِيراً} اسم "إن" وصلح أن يكونَ اسمها نكرةً لأنّ فيها فائدةً وليس الخبر معرفةً. وهذا حَسنٌ عند سيبويه،/ 72 أ/ وأنشَدَ:
وإِنّ شِفَاءاً عَبْرةٌ لَو سَفَحْتُهَا * فَهَلْ عِندَ رَسْمٍ دَارِسٍ من مُعَوّلِ
اعراب آيات سورة ( الأنعام )
{ وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ ٱسْمُ ٱللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ ٱلشَّيَٰطِينَ لَيُوحُونَ إِلَىۤ أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَٰدِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ * أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَٰهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي ٱلنَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي ٱلظُّلُمَٰتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَٰفِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }
{وَلاَ تَأْكُلُواْ..} [121]
نهي. {مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ ٱسْمُ ٱللَّهِ عَلَيْهِ} كُسِرَتِ الراء لالتقاء الساكنين {وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} خبر "إنّ".
وَرَوَى المسَيَّبي عن نافع بن أبي نُعَيْمٍ {أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ..} [122] باسكان الواو وقال أبو جعفر: يجوز أن يكون محمولاً على المعنى أي انظروا وتَبَيّنُوا أغَير اللّهِ أبتَغِي حَكماً أو من كان ميتاً فأحييناه. ومن فتح الواو جعلها واو عطف دخلت عليها ألف الاستفهام.

{ وَكَذٰلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَٰبِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُواْ فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلاَّ بِأَنْفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ }
{وَكَذٰلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجَرِمِيهَا لِيَمْكُرُواْ فِيهَا..} [123]
لام كي قيل: إنه مجاز كما قال {فالتقطَهُ آل فرعون ليكون لهم عَدُوّاً وحَزَناً}.

{ فَمَن يُرِدِ ٱللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلَٰمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي ٱلسَّمَآءِ كَذٰلِكَ يَجْعَلُ ٱللَّهُ ٱلرِّجْسَ عَلَى ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ }
{فَمَن يُرِدِ ٱللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ..} [125]
اي يُوسعه ثواباً إلى طاعته وهي شرط ومجازاةٌ {وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً} مثله، وقرأ ابن كثير {ضَيْقاً} بتخفيف الياء كما يقال: لَيّنٌ ولَيْن وَهَيّنٌ وهَيْن. حَرِجٌ اسم الفاعل وحَرَجٌ مصدر وُصِفَ به كما يقال: رَجلٌ عَدْلٌ ورِضىً وَقِيلَ: حَرَجٌ جَمْعُ حَرَجَةٍ ومعناه شدّة الضيق ومنه فلان يَتَحَرّجُ أي يُضَيّقُ على نفسه في تركه هواه للمعاصي. {كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي ٱلسَّمَآءِ} قد ذكرناه. {كَذٰلِكَ} الكاف في موضع نصب وكذا ما مرّ من قوله {وكذلك جَعَلنا في كُلِّ قَريةٍ}.
اعراب آيات سورة ( الأنعام )
{ وَهَـٰذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيماً قَدْ فَصَّلْنَا ٱلآيَاتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ }
{وَهَـٰذَا صِرَاطُ رَبِّكَ..} [126]
ابتداء وخبر (مستقِيماً على الحال).

{ لَهُمْ دَارُ ٱلسَّلَٰمِ عِندَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }
{لَهُمْ دَارُ ٱلسَّلاَمِ..} [127]
ابتداء وخبر وكذا {وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}.

{ وَيَوْمَ يِحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يَٰمَعْشَرَ ٱلْجِنِّ قَدِ ٱسْتَكْثَرْتُمْ مِّنَ ٱلإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَآؤُهُم مِّنَ ٱلإِنْسِ رَبَّنَا ٱسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَآ أَجَلَنَا ٱلَّذِيۤ أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ ٱلنَّارُ مَثْوَٰكُمْ خَٰلِدِينَ فِيهَآ إِلاَّ مَا شَآءَ ٱللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَليمٌ }
{وَيَوْمَ يِحْشُرُهُمْ..} [128]
نَصبٌ بالفعل المحذوف أي ويوم يحشرهم نقول {جَمِيعاً} على الحال {يَا مَعْشَرَ ٱلْجِنِّ} نداء مضاف {قَدِ ٱسْتَكْثَرْتُمْ مِّنَ ٱلإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَآؤُهُم مِّنَ ٱلإِنْسِ رَبَّنَا ٱسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ} أبيَنُ ما قيل فيه أن الجنّ استمتعتْ مِنَ الإِنس أنهم تَلذّذُوا بطاعةِ الإِنسِ إيّاهم وتلذّذَ الإِنس بقبولهم مِنَ الجِنِّ حَتّى زَنَوا وشَرِبُوا الخمور وقيل: الجِن هم الذين استمتعوا من الإِنس لأن الإِنسِ قَبِلوا منهم، والأولُ أولَى لأن كلَّ واحد منهما قد استمتع بَصَاحِبِه، والتقديرُ في العربية استمتع بَعضُنَا بِبَعضِنَا. {قَالَ ٱلنَّارُ مَثْوَاكُمْ} ابتداء وخبر {خَالِدِينَ فِيهَآ} نصب على الحال {إِلاَّ مَا شَآءَ ٱللَّهُ} استثناء ليس من الأول. {إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ} أي عقوبتهم وفي جميع أفعاله. {عَليمٌ} بمقدار مجازاتهم.

اعراب آيات سورة ( الأنعام )
{ يَٰمَعْشَرَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هَـٰذَا قَالُواْ شَهِدْنَا عَلَىٰ أَنْفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا وَشَهِدُواْ عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ }
{يَامَعْشَرَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنْكُمْ..} [130]
أحسن ما قيل فيه أنّ معنى منكم في الخلق والتكليف والمخاطبة {يَقُصُّونَ} في موضع رفع نعت لرسل.

{ ذٰلِكَ أَن لَّمْ يَكُنْ رَّبُّكَ مُهْلِكَ ٱلْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَٰفِلُونَ }
{ذٰلِكَ..} [131]
في موضع رفع عند سيبويه بمعنى الأمر ذلك، لأنّ ربك لم يكن مُهْلِكَ القرى بظلمٍ وأجاز الفراء أن يكون في موضع نصب بمعنى فَعَلَ ذلك.

{ وَرَبُّكَ ٱلْغَنِيُّ ذُو ٱلرَّحْمَةِ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِن بَعْدِكُمْ مَّا يَشَآءُ كَمَآ أَنشَأَكُمْ مِّن ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ }
{.. كَمَآ أَنشَأَكُمْ..} [133]
الكاف في موضع نصب بمعنى ويستخلف من بعدكم ما يشاء استخلافاً مِثلَ ما أنشأكم {مِّن ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ} وقرأ زيد بن ثابت {ذِرّيّة قوم} بكسر الذال وتشديد الراء والياء وقرأ أبان بن عثمان {ذَرّيَّة} بفتح الذال وتخفيف الراء وتشديد الياء.
اعراب آيات سورة ( الأنعام )
{ إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لآتٍ وَمَآ أَنتُم بِمُعْجِزِينَ }
{إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لآتٍ..} [134]
{ما} اسم "إنّ" والخبر لآت واللام توكيد.

{ قُلْ يَٰقَوْمِ ٱعْمَلُواْ عَلَىٰ مَكَانَتِكُمْ إِنَّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن تَكُونُ لَهُ عَٰقِبَةُ ٱلدَّارِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلظَّٰلِمُونَ }
{قُلْ يَاقَوْمِ ٱعْمَلُواْ عَلَىٰ مَكَانَتِكُمْ إِنَّي عَامِلٌ..} [135]
أي على ما أنا عليه {مَن تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ ٱلدَّارِ} اسم تكون ويجوز "من يكون" لأنه مصدر وتأنيثه غير حقيقي كتأنيث الجماعة، وقرأ الأعرج {يا معشرَ الجنِّ والإِنس ألم تأتِكُمْ} على تأنيث الجماعة، "من تكون له عاقبة الدار" في موضع رفع لأن الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله ويجوز أن يكون بمعنى الذي فتكون في موضع نصب.

{ وَجَعَلُواْ للَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ ٱلْحَرْثِ وَٱلأَنْعَٰمِ نَصِيباً فَقَالُواْ هَـٰذَا للَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَـٰذَا لِشُرَكَآئِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَآئِهِمْ فَلاَ يَصِلُ إِلَىٰ ٱللَّهِ وَمَا كَانَ للَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَىٰ شُرَكَآئِهِمْ سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ }
{فَقَالُواْ هَـٰذَا للَّهِ بِزَعْمِهِمْ..} [136]
هذه لغة أهل الحجاز، ولغةُ بني أسد "بِزُعمِهِمْ" وهكذا قرأ يحيى بن وثاب والأعمش والكسائي ولغةُ تميم وقيس فيما حكى الفراء والكسائي "بِزِعمِهِم" بكسر الزاي وان كان أبو حاتم قد أنكر كسرها وقد حكاه الكسائي والفراء {فَمَا كَانَ لِشُرَكَآئِهِمْ فَلاَ يَصِلُ إِلَىٰ ٱللَّهِ} سُمّوا شَرَكاء لأنهم جعلوا لهم نصيباً من أموالهم فقالوا هم شركاؤنا فيها {سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ} قال الكسائي {ما} في موضع رفع أي ساء الشيء يفعلون. قال أبو اسحاق/ 72 ب/ "ما" في موضع رفع والمعنى ساء الحكم يحكمون.
اعراب آيات سورة ( الأنعام )
{ وَكَذٰلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَٰدِهِمْ شُرَكَآؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُواْ عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ }
{وَكَذٰلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلاَدِهِمْ شُرَكَآؤُهُمْ..} [137]
هذه قراءة أهل الحَرَمينِ وأهل الكوفة وأهل البصرة إلا أبا عبد الرحمن والحسن فإِنهما قرآ {وَكَذٰلِكَ زُيِّنَ} بضم الزاي {لِكَثِيرٍ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ قَتْلُ أَوْلاَدِهِمْ} برفع قَتْل وخفض أولادهم {شُرَكآؤُهُم} بالرفع وحكى أبو عبيد أن ابن عامر وأهل الشام قرءوا {وَكَذٰلِكَ زُيِّنَ} بضم الزاي {لِكَثِيرٍ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ قَتْلُ أَوْلاَدَهُمْ} برفع قَتْل ونصب أولادهم {شَرَكائِهِم} بالخفض وحكى غير أبي عُبَيْدٍ عن أهل الشام أنهم قرءوا {وكذلك زُيّن} بضم الزاي {لِكَثِيرٍ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ قَتْلُ أَوْلاَدِهِمْ} برفع قتل وخفض أولادهم {شركائِهِمْ} بالخفض أيضاً. قال أبو جعفر: فهذه أربع قراءات الأولى أَبيّنُها وأصَحُّها تنصب "قتلاً" بزَيّن وخفض "أولادهم" بالاضافة، "وشركاؤهم" رفع بَزيَّنَ لا بالقتل لأنهم زَيَّنُوا ولم يقتلو وهم شركاؤهم في الدين ورؤساؤهم، والقراءة الثانية أن يكون "قَتلُ" اسم ما لم يسم فاعله "شركاؤهم" رفع باضمار فعل لأن زُيِّنَ يدل على ذلك أي زيّنَهُ شركاؤهم ويجوز على هذا: ضُرِبَ زيدٌ عمروٌ بمعنى ضَرَبَهُ عمروٌ وأنشد سيبويه:
* لِيُبْكَ يَزِيدُ ضارعٌ لِخُصومَةٍ *
وقرأ ابن عامر وعاصم من رواية ابن عباس {يُسبَّحُ له فيها بالغدوّ والآصال رجالٌ} وقرأ إبراهيم بن ابي عبلة {قُتِلَ أصحاب الأخدود النارُ ذاتُ الوقود} بمعنى قتلتهم النار، فأما ما حكاه أبو عبيد عن ابن عامر وأهل الشام فلا يجوز في كلام ولا شعر وانما أجاز النحويون التفريق بين المضاف والمضاف اليه في الشعر بالظرف لأنه لا يفصل فأما بالأسماء غير الظروف فلحن، وأما ما حكاه غير أبي عبيد وهي القراءة الرابعة فهو جائز على أن تبدل شركاؤهم من أولادهم لأنهم شركاؤهم في النسب والميراث. {لِيُرْدُوهُمْ} لام كي {وَلِيَلْبِسُواْ عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ} أي يأمرونهم بالباطل فيصير الحقّ مغطى عليه فبهذا يلبِسُونَ.

{ وَقَالُواْ هَـٰذِهِ أَنْعَٰمٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لاَّ يَطْعَمُهَآ إِلاَّ مَن نَّشَآءُ بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعَٰمٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا وَأَنْعَٰمٌ لاَّ يَذْكُرُونَ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَيْهَا ٱفْتِرَآءً عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِم بِمَا كَانُواْ يَفْتَرُونَ }
{وَقَالُواْ هَـٰذِهِ أَنْعَامٌ..} [138]
ابتداء وخبر {وَحَرْثٌ حِجْرٌ} عطف على الخبر وقرأ أبان بن عثمان {وَحَرْثٌ حُجُرٌ} بضم الحاء والجيم وقرأ الحسن وقتادة {وَحَرْثٌ حُجْرٌ} بضم الحاء وإسكان الجيم لغات بمعنى، ورُوِي عن ابن عباس وابن الزبير {وحَرثٌ حِرْجٌ} الراء قبل الجيم وكذا في مصحف أُبيّ وفيه قولان: أحدُهُما أنه مثل جَبَذَ وجَذَبَ، والقول الآخر وهو أصحّ أنه من الحَرَجِ وهو الضيق فيكون معناه الحرام ومنه فلان يتحرّج أي يضيق على نفسه الدخول فيما يَشتَبِهُ عليه بالحرام. {ٱفْتِرَآءً} مفعول من أجله ومصدر.

{ وَقَالُواْ مَا فِي بُطُونِ هَـٰذِهِ ٱلأَنْعَٰمِ خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَىٰ أَزْوَٰجِنَا وَإِن يَكُن مَّيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَآءُ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حِكِيمٌ عَلِيمٌ }
{وَقَالُواْ مَا فِي بُطُونِ هَـٰذِهِ ٱلأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا..} [139]
تقرأ على أربعة أوجه: قراءة العامة {وَقَالُواْ مَا فِي بُطُونِ هَـٰذِهِ ٱلأَنْعَامِ خَالِصَةٌ} برفع خالصة والتأنيث وقرأ قتادة {خالصةً} بالنصب وقرأ ابن عباس {وَقَالُواْ مَا فِي بُطُونِ هَـٰذِهِ ٱلأَنْعَامِ خالِصهُ لِّذُكُورِنَا} على الإضافة وقرأ الأعمش {خالصٌ لذكورنا} بغير هاء والقراءة الأُولى على الابتداء والخبر، وفي تأنيث {ما} ثلاثة أقوال: قال الكسائي والأخفش هذا على المبالغة وقال الفراء: تأنيثها لتأنيث الأنعام وهذا القول عند قوم خطأ لأن ما في بطونها ليس منها فلا يشبِهُ {تَلْتَقِطُهُ بعضُ السيارةِ} لأن بعض السيارة سيارة وهذا لا يلزم الفراء لأنه انما يؤنث هذا لأن الذي في بطونها أنعام كما أنها أنعام، والقول الثالث أحسنُها يكون التأنيث على معنى ما والتذكير على اللفظ والدليل على هذا أنّ بعده "وَمُحَرَّمٌ عَلَىٰ أَزْوَاجِنَا" على اللفظ فالتقدير وقالوا الأنعام التي في بطون هذه الأنعام خالصةٌ، والنصب عند الفراء على القطع وعند البصريين على الحال مما في المخفوض الأول ولا يجوز أن يكون حالاً من المضمر الذي في الذكور كما يجوز/ 73 أ/ زَيدٌ قائماً في الدار لأن العامل لا يتصرف وإن كان الأخفش قد أجازه في بعض كتبه، والقراءة الثالثة على أن يكون "خالِصُهُ" ابتداء ثانياً والخبر "لذكورنا" والجملة خبر "ما" ويجوز أن "خالصهُ" بدلاً من "ما". والقراءة الرابعة على تذكير "ما" في اللفظ. {وَإِن يَكُن مَّيْتَةً} بمعنى وإِن يكن ما في بطونها ميتةً والتأنيث بمعنى وان تكن الحمول ميتةً. قال أبو حاتم: وإن تكن النسمة ميتةً. قال أبو عمرو بن العلاء: الاختيار يكن بالياء لأن بعده {فَهُمْ فيه} ولم يقل: فيها وان يكن ميتةٌ بالرفع بمعنى تقع وقال الأخفش: أي وان تكن في بطونها مَيتةٌ.
اعراب آيات سورة ( الأنعام )
{ ثَمَٰنِيَةَ أَزْوَٰجٍ مَّنَ ٱلضَّأْنِ ٱثْنَيْنِ وَمِنَ ٱلْمَعْزِ ٱثْنَيْنِ قُلْ ءَآلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ ٱلأُنثَيَيْنِ أَمَّا ٱشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ ٱلأُنثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَٰدِقِينَ }
{ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ..} [143]
في نصبه ستة أقوال: قال الكسائي: هو منصوب باضمار أنشأ، وقال الأخفش سعيد: هو منصوب على البدل من حَمُولة وفَرْش، وإن شئت على الحال، وقال الأخفش علي بن سليمان: يكون منصوباً بكُلُوا أي كُلُوا لحم ثمانية أزواجٍ، ويجوز أن يكون منصوباً على البدل من "ما" على الموضع، ويجوز أن يكون منصوباً بمعنى كُلُوا المباحَ ثمانية أزواج {مَّنَ ٱلضَّأْنِ ٱثْنَيْنِ}. قرأ طلحة بن مُصَرّفٍ وعيسى {مِنَ ٱلضَّأَنِ} بفتح الهمزة وقرأ أبان بن عثمان {مِنَ الضأن اثنان ومن المعز اثنانِ} رفعاً بالابتداء وقرأ أبو عمرو والحسن وعيسى {وَمِنَ ٱلْمَعَزِ} بفتح العين وفي حرف أبيّ {ومن المعْزَى اثنين} قال أبو جعفر: الأكثر في كلام العرب المَعْزُ والضَأْنُ بالاسكان، ويدلّ على هذا قولهم في الجمع: مَعِيزٌ هذا جمع مَعْزٍ كما يقال: عَبْدٌ وعَبِيدٌ، وقال امرؤ القيس:
وَيَمْنَحُها بَنُو شَمَجِ بن جَرْمٍ * مَعِيزَهمُ حَنَانَكَ ذا الحَنَانِ
واختار أبو عبيد ومن المَعْز أيضاً باسكان العين قال: لاجماعهم على الضَأْن وقد ذكرنا أنه قد قرئ {الضَأنَ} وما عِزٌ ومَعْزٌ مثل تاجرُ وتَجْر فأما مَعَزٌ فيجوز لأن فيه حرفاً من حروف الحلق وكذا ضَأنٌ. {قُلْ ءَآلذَّكَرَيْنِ} منصوب بحرّم {أَمِ ٱلأُنثَيَيْنِ} عطف عليه وكذا {أَمَّا ٱشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ} وزدت مع ألف الوصل مدة فقلت أآلذكرين لنفرق/ 73 ب/ بَينَ الخبر والاستفهام، ويجوز حذف المدة لأن "أمْ" تدلّ على الاستفهام كما قال:
* تَرُوحُ مِنَ الحَيِّ أمْ تَبْتكِرْ *

{ قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَآ أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَىٰ طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ ٱللَّهِ بِهِ فَمَنِ ٱضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }
{قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَآ أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَىٰ طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ..} [145]
وقرأ أبو جعفر محمد بن علي {يَطّعِمُهُ} والأصل في يَطْتَعِمُهُ فأدغم بعد قلب التاء طاءاً {إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً} أي إلا أن يكون المأكول ميتةً. قال الأصمعي: قال لي نافع بن أبي نعيم مفسراً إلا أن يكون ذلك ميتةً. قال الأصمعي: قال لي نافع بن أبي نعيم مفسراً إلا أن يكون ذلك ميتةً وقرأ ابن كثير والأعمش وحمزة {إِلاَّ أَن تَكُونَ مَيْتَةً} والتقدير على هذا إلا أن يكون المأكولة ميتةً وقرأ أبو جعفر يزيد بن القعقاع {إِلاَّ أَن تَكُونَ مَيْتَةٌ} بالرفع {أَو دَماً} بالنصب وبعض النحويين يَقُولُ هو لَحْنٌ لأنه عَطَفَ منصوباً على مرفوع وسبيل المعطوف سبيل المعطوف عليه والقراءة جائزة وقد صَحّتْ عن إمامٍ على أن يكونَ أو دماً معطوفاً على أنْ لأن "أَنْ" في موضع نصب وهي اسم والتقدير إلاّ كَونَ مَيْتَةٍ {أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً} نعت {أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ} عطف وكذا {أَوْ فِسْقاً} فإِنّهُ رِجْسُ يُنْوَى به التأخير وفي الآية اشكال يقال: قد حَرّمَ رسول الله صلى الله عليه وسلم كلَّ ذي ناب من السباع وكلّ ذي مِخْلَبٍ من الطيرِ، وليس هما في الآية ففي هذا أقوال: منها أنّهم سألوا عن شيء بعينه فوقع الجواب مخصوصاً وهذا مذهبُ الشافعي رضي الله عنه وقيل: ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم فهو داخل في الآية معطوف على ما بعد إلا، وهذا قول حسن ومثله كثير، وفي الآية قول ثالث بَيّن وهو أن ما حرّمه رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو مَيْتَةٌ فالآية على هذا مشتملة على هذه.

{ وَعَلَى ٱلَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ ٱلْبَقَرِ وَٱلْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَآ إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ ٱلْحَوَايَآ أَوْ مَا ٱخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذٰلِكَ جَزَيْنَٰهُم بِبَغْيِهِمْ وِإِنَّا لَصَٰدِقُونَ }
{وَعَلَى ٱلَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ..} [146]
وقرأ الحسن {ظُفْرٍ} بإسكان الفاء وقرأ أبو السَمّال {ظِفْرٍ} بإسكان الفاء وكسر الظاء وأنكر أبو حاتم كسر الظاء وأنكر أبو حاتم كسر الظاء وإسكان الفاء ولم يذكر هذه القراءة قال: ويقال: أُظفُور وَحَكَى الفراء في الجمع أَظافِير وأظافِرَةً وأظافر وأظفاراً. {وَمِنَ ٱلْبَقَرِ وَٱلْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَآ إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا} {ما} في موضع نصب على الاستثناء {ظُهُورُهُمَا} رفع بحملت {أَوِ ٱلْحَوَايَآ} في موضع رفع عطف على الظهور. حَاوِيةٌ وحَوايا وحَاوِيَاء مثل نافِقَاءَ وَنَوافِقَ وَضَارِبة وضَوَاربَ وأُبدِلَ من الياء ألف كما يقال صَحَارَى {أَوْ مَا ٱخْتَلَطَ بِعَظْمٍ} {ما} في موضع نصب عطف على ما حَمَلَت وفي هذا أقوال هذا أصحّها وهو قول الكسائي والفراء وأحمد بن يحيى والنظر يُوجِبُهُ أن يُعطَفَ الشيء على ما يليه إلا أن لا يصحّ معناه أو يدل دليل على غيره. {ذٰلِكَ جَزَيْنَاهُم} أي الأمر ذلك {وِإِنَّا لَصَادِقُونَ} خبر إِنّ والأصل إِنَّنا.
اعراب آيات سورة ( الأنعام )
{ فَإِن كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَّبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ ٱلْقَوْمِ ٱلْمُجْرِمِينَ }
{فَإِن كَذَّبُوكَ..} [147]
شرط والجواب {فَقُلْ رَّبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ} أي لأنه حَلُمَ عنكم فلم يعاقبكم في الدنيا والأصل في "ذو" ذَوَى ولو نُطِقَ به على الأصل لقيل: ذَوًى مثل عصاً وقد جاء في القرآن على الأصل وهو {ذَواتا أفنان} ثم أخبر جل وعز بالغيب عما سيقولونه.

{ سَيَقُولُ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَآ أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ كَذٰلِكَ كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِم حَتَّىٰ ذَاقُواْ بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَآ إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ ٱلظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إَلاَّ تَخْرُصُونَ }
{سَيَقُولُ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَآ أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا..} [148]
عطف على النون والألف وحَسُنَ ذلك لما جِئتَ بلا، توكيداً وقد أفادت معنى النفي عن الجميع وقيل: معنى قوله "لَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَآ أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا" أي لو شاء الله لأرسل إلى آبائنا رسولاً فنهاهم عن الشرك وعن تحريم ما أحلّ فانتهوا فاتبَعْنَاهُم على ذلك وأَلِفْنَاهُ ولم تَنفرْ طِبَاعُنَا عنه فردّ الله عز وجل عليهم ذلك فقال {هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَآ} أي أعندكم دليلٌ على أنّ هذا كذا {إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ ٱلظَّنَّ} في هذا القول {وَإِنْ أَنتُمْ إَلاَّ تَخْرُصُونَ} فَتُوهِمُونَ ضَعفَتَكُم أنّ لكم حُجّةً.

{ قُلْ فَلِلَّهِ ٱلْحُجَّةُ ٱلْبَالِغَةُ فَلَوْ شَآءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ }
{قُلْ فَلِلَّهِ ٱلْحُجَّةُ ٱلْبَالِغَةُ..} [149]
أي التي تقطع عذر المحجوج وتزيل الشك عمن نظر فيها.
اعراب آيات سورة ( الأنعام )
{ قُلْ هَلُمَّ شُهَدَآءَكُمُ ٱلَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ ٱللَّهَ حَرَّمَ هَـٰذَا فَإِن شَهِدُواْ فَلاَ تَشْهَدْ مَعَهُمْ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ وَهُم بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ }
{قُلْ هَلُمَّ شُهَدَآءَكُمُ..} [150]
فُتِحَت الميم لالتقاء الساكنين كما تقول: رُدَّ يا هذا. ولا يجوز ضمها ولا كسرها. قال أبو جعفر: وقد ذكرنا معناها إِلاّ أنّ في كتاب العين للخليل رحمه الله أنّ أصلها: "هل أؤمُّ". أي هل أقْصُدُكَ ثم كثر استعمالهم إياها حتى/ 74 أ/ صار المقصود يقولها، كما أن "تَعَالى" أصلها أن يقولها المُتَعَالِي للمتسافلِ فكثر استعمالها إياها حتى صار المتسافل يقول للمتعالِي: تَعَالَى.

{ قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلاَ تَقْتُلُوۤاْ أَوْلاَدَكُمْ مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ ٱلْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ ذٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ }
{قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ..} [151]
جواب الأمر {مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ} {ما} في موضع نصب بالفعل {أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً} الفراء يختار أن يكون {لا} للنهي لأن بَعدَهُ {وَلاَ تَقْتُلُوۤاْ}. قال أبو جعفر: ويجوز أن تكون "أن" في موضع نصب بدلاً من "ما" أي أَتلُ عليكم تحريم الاشراك ويجوز أن يكونَ في موضع نصب بمعنى كَراهةَ أن تُشرِكُوا ويكون المتلو عليهم {قل لا أجِدُ فيما أُوحِيَ إِليّ مُحَرّماً} الآية، ويجوز أن يكون في موضع رفع بمعنى هو أن لا تشركوا به شيئاً {وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً} مصدر. {وَلاَ تَقْتُلُوۤاْ أَوْلاَدَكُمْ مِّنْ إمْلاَقٍ} أي من خوف الفقر {وَلاَ تَقْرَبُواْ ٱلْفَوَاحِشَ} نصب بالفعل {مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} بدل منها {ذٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ} أي الأمر ذلكم ويجوز أن يكونَ بمعنى بَيّنَ لكم وصاكم به {لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} لتكونوا على رجاء من ذلك.

{ وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ ٱلْيَتِيمِ إِلاَّ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ ٱلْكَيْلَ وَٱلْمِيزَانَ بِٱلْقِسْطِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَٱعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ وَبِعَهْدِ ٱللَّهِ أَوْفُواْ ذٰلِكُمْ وَصَّـٰكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ }
{وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ ٱلْيَتِيمِ..} [152]
نَهيٌ كلّه فلذلك حذفت منه النون {وَبِعَهْدِ ٱللَّهِ أَوْفُواْ} أي إِذا عاهدتم الله جل وعز على شيء أو حلفتم لانسان فأوفوا. {ذٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} مثل الأول وأدغمت التاء في الذال لقربها منها ويجوز حذفها للدلالة.
اعراب آيات سورة ( الأنعام )
{ وَأَنَّ هَـٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَٱتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }
{وَأَنَّ هَـٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً..} [153]
هذه قراءة أهل المدينة وأبي عمرو وعاصم وتقديرهما عند الخليل وسيبويه: ولأن هذا صراطي كما قال جل وعز: "وأنّ المساجدَ للهِ". والفراء يذهب الى أنها في موضع خفض بمعنى "ذٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ" ووصّاكم بأنّ هذا صراطي مستقيماً، والكسائي يذهب إلى أنها في موضع نصب على هذا المعنى إِلا أنه لَمّا حذف الباء نصب وقرأ الأعمش وحمزة والكسائي {وإِنّ هَـٰذَا} بكسر الهمزة وهذا مستأنف ومن قرأ {وأنْ هَـٰذَا} بالتخفيف فهذا عنده في موضع رفع بالابتداء ويجوز النصب ومعنى وأنّ هذا صراطي مستقيماً لا يُعَرّجُ من سلكه {مُسْتَقِيماً} على الحال {فَٱتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ} أي لا تتبعوا الديانات المختلفة {فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ} جواب النهي. {ذٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} مثل الأول.

{ ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَابَ تَمَاماً عَلَى ٱلَّذِيۤ أَحْسَنَ وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَّعَلَّهُمْ بِلِقَآءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ }
{ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَابَ..} [154]
مفعولان {تَمَاماً} مفعول من أجله ومصدر {عَلَى ٱلَّذِيۤ} خفض بعلى {أَحْسَنَ} فعل ماض داخل في الصلة وهذا قول البصريين وأجاز الكسائي والفراء أن يكون اسماً نعتاً للذي وأجاز: مَرَرتُ بالذِي أخِيكَ، ينعتانِ الذي بالمعرفة وما قاربها وذا محال عند البصريين لأنه نعت للاسم قبل أَن يتم والمعنى عندهم على المحسن، وأجاز الكسائي والفراء أن يكون الذي بمعنى الذين أي على المحسن، وحُكِيَ عن محمد بن يزيد قول رابع قال: هو مثل قولك: إِذا ذُكِرَ زَيدٌ مررتُ بالذِي ضَرَبَ أي الذي ضربه فالمعنى تماماً على الذي أَحسَنَهُ الله إلى موسى من الرسالة وغيرها {وَتَفْصِيلاً} عطف وكذا {وَهُدًى وَرَحْمَةً}.

{ وَهَـٰذَا كِتَٰبٌ أَنزَلْنَـٰهُ مُبَارَكٌ فَٱتَّبِعُوهُ وَٱتَّقُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ }
{وَهَـٰذَا كِتَابٌ..} [155]
ابتداء وخبر {مُبَارَكٌ} نعت، ويجوز في غير القرآن: مباركاً. على الحال.
اعراب آيات سورة ( الأنعام )
{ أَن تَقُولُوۤاْ إِنَّمَآ أُنزِلَ ٱلْكِتَابُ عَلَىٰ طَآئِفَتَيْنِ مِن قَبْلِنَا وَإِن كُنَّا عَن دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ }
{أَن تَقُولُوۤاْ..} [156]
في موضع نصب بمعنى كَراهةَ أن تقولوا وقال الفراء أي واتّقوا أن تقولوا.

{ أَوْ تَقُولُواْ لَوْ أَنَّآ أُنزِلَ عَلَيْنَا ٱلْكِتَابُ لَكُنَّآ أَهْدَىٰ مِنْهُمْ فَقَدْ جَآءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَّبَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا سَنَجْزِي ٱلَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ بِمَا كَانُواْ يَصْدِفُونَ }
{أَوْ تَقُولُواْ..} [157]
عطف عليه {فَقَدْ جَآءَكُمْ بَيِّنَةٌ} لأن البينة والبيان واحد.

{ هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيهُمُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ ءَايَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ ءَايَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْساً إِيمَٰنُهَا لَمْ تَكُنْ ءَامَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِيۤ إِيمَٰنِهَا خَيْراً قُلِ ٱنتَظِرُوۤاْ إِنَّا مُنتَظِرُونَ }
{.. يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ..} [158]
ويجوز تأتي مثل {فالتقطهُ آل فِرْعَونَ} أو مثل {تَلتَقِطْهُ بَعضُ السيارة} وقرأ ابن سيرين {لاَ تَنفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا}. قال أبو حاتم: هذا غلطٌ من ابن سيرين. قال أبو جعفر: في هذا شيء دقيق من النحو ذكره سيبويه وذلك أنّ الإِيمان والنفس كلّ واحدٍ منهما مشتمل على الآخر فجاز التأنيث وأنشد سيبويه:
مَشَيْنَ كما اهتَزَّتْ رِماحٌ تَسَفّهَتْ * أَعالِيَهَا مرُّ الرياحِ النَّواسِمِ
لأن المرّ والرياح كل واحد منهما مشتمل على الآخر، وفيه قول آخر أن يؤنث الإِيمان لأنه مصدر كما يُذَكَّر المصدر المؤنث مثلُ {فمن جاءَهُ موعظة} لأن موعظة بمعنى الوعظ وكما قال:
* فَقَدْ عَذَرَتْنَا في صحابتِهِ العذرُ *
ففي أحد الأقوال أنه أنّث العذر لأنه بمعنى المعذرة.
اعراب آيات سورة ( الأنعام )
{ إِنَّ ٱلَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَآ أَمْرُهُمْ إِلَى ٱللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ }
{إِنَّ ٱلَّذِينَ/ 74 ب/ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ..} [159]
أي آمنوا ببعض وكفروا ببعض وكذا من ابتدعَ فقد جاء بما لم يأمر الله جل وعز به فقد فَرّقَ دينَهُ وفارقوا دِينَهم يعني الاسلام وكلّ من فارقه فقد فارق دينه الذي يجب أن يتَّبعَهُ لَستَ منهم في شيء فاوجب براءته منهم إِنما أَمرُهُمْ إلى الله تعزية للنبي صلى الله عليه وسلم.

{ مَن جَآءَ بِٱلْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَآءَ بِٱلسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَىۤ إِلاَّ مِثْلَهَا وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ }
{مَن جَآءَ بِٱلْحَسَنَةِ..} [160]
ابتداء وهو شرط والجواب {فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} أي فَلَهُ عشرُ حسناتٍ أمثالها وحكى سيبويه: عندي عشرة نَسّاباتٍ أي عندي عَشرةُ رجالٍ نساباتٍ وقرأ الحسن وسعيد بن جبير والأعمش {فَلَهُ عَشْرٌ أَمْثَالُهَا} وتقديرها فَلَهُ حسناتٌ عشر أمثالها أي له من الجزاء عشرة أَضعافٍ مما يجب له ويجوز أن يكون له مثلُ ويضاعَفُ المثلُ فيصير عشرة. {فَلاَ يُجْزَىۤ إِلاَّ مِثْلَهَا} خبر ما لم يسم فاعله.

{ قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّيۤ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ }
{قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّيۤ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِيناً..} [161]
قال الأخفش: هو نَصبٌ بهداني وقال غيره: هو نصب بمعنى عَرَّفَني مثلُ: هُوَ يَدَعُهُ تَركاً. قال أبو اسحاق: ويجوز أن يكون محمولاً على المعنى لأن المعنى هداني صراطاً مستقيماً كما قال جل وعز {ويهديك صراطاً مستقيماً}: {قَيِّماً} من نعمته وقَيّما أُعِلَّ على الإِتباع {مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ} بدل {حَنِيفاً} قال أبو اسحاق: هو حال من إبراهيم وقال علي بن سليمان: وهو نَصبٌ باضمار أعني.
اعراب آيات سورة ( الأنعام )
{ قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ }
{قُلْ إِنَّ صَلاَتِي..} [162]
اسم "إنّ" {وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي} عطف عليه وقرأ أهل المدينة {ومَحْيايَ} بإِسكان الياء في الإِدراج وهذا لم يَجِزْهُ أَحدٌ من النحويين إلا يونس لأنه جَمعَ بَيْنَ ساكنين وانما أجازه يونس لأن قبلَهُ ألفاً والألف المد التي فيها تقوم مقام الحركة وأجاز يونس اضْرِبان زيداً وانما منع النحويون هذا لأنه جمع بينَ ساكنين وليس في الثاني ادغام، ومن قرأ بقراءة أهل المدينة وأراد أن يسلمَ من اللحن وقف على "مَحْيَاي" فيكون غيرَ لاحنٍ عندَ جميع النحويين، وقرأ ابن أبي اسحاق وعيسى وعاصم الجَحْدَرِي {وَمَحْيَيَّ وَمَمَاتِي} بالادغام وهذا وجه جيد في العربية لَمّا كانت يُغَيَّرُ ما قبلها بالكسر ولم يجز في الألف كسر صُيِّرَ تغييرُها قَلْبَهَا إلى الياء كما أنشد أهل اللغة:
* سَبَقُوا هَوَىً وأعنَقُوا لِهَواهُم *

{ قُلْ أَغَيْرَ ٱللَّهِ أَبْغِي رَبّاً وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ }
{.. وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ..} [164]
خبر. قال الأخفش: يقال: وَزِرَ يَوْزَرُ ووزَرَ يَزِرُ ووَزَرَ يَوزرُ وزْراً ويجوز إِزراً كما يقال: إِسادةٌ.

{ وَهُوَ ٱلَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ ٱلأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ ٱلْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ }
{وَهُوَ ٱلَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ ٱلأَرْضِ..} [165]
مفعولان {لِّيَبْلُوَكُمْ} نصب بلام كي وهو بدل من "أنْ". {إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ ٱلْعِقَابِ} اسم "إِنّ" وخبرها وكذا {وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ}.

Tidak ada komentar:

Posting Komentar