Selasa, 29 November 2011

اعراب سورة البقرة

{ ٱلطَّلَٰقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَٰنٍ وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّآ آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلاَّ أَن يَخَافَآ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا ٱفْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ ٱللَّهِ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّٰلِمُونَ }
{ٱلطَّلاَقُ مَرَّتَانِ..} [229]
ابتداء وخبر، والتقدير عَدَدُ الطلاقِ الذي تُملَكُ مَعَهُ الرجعةُ مرتانِ. {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ} ابتداء والخبر محذوف أي فعليكم امساك بمعروف ويجوز في غير القرآن فامساكاً على المصدر. {وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّآ آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً} أنّ في موضع رفع بيحل {إِلاَّ أَن يَخَافَآ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِ} وقرأ أبو جعفر يزيد ابن القعقاع وحمزة {إِلاَّ أَن يُخَافَآ} بضم الياء وهو اختيار أبي عبَيْد قال: لقوله "فَإِنْ خِفْتُمْ" فجعل الخوف لغيرهما ولم يقلْ: فإن خافا، وفي هذا حُجّةٌ لمن جعل الخلع الى السلطان. قال أبو جعفر: أنا أنكر هذا الاختيار على أبي عُبيدٍ وما علمت في اختياره شيئاً أبعدَ من هذا الحرف لأنه لا يوجب الاعراب ولا اللفظُ ولا المعنَى ما اختاره فأما الاعراب فإنه يُحْتَجُّ له بأنّ عبدالله بن مسعود قرأ {إِلاَّ أَن تَخَافُوا أن لا يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِ} فهذا في العربية إذا رُدَّ الى ما لم يسم فاعله قيل إلاّ أن يُخَافَ أن لا يقيم حدود اللهِ وأما اللفظ فإن كان على لفظ يخَافَا وجب أن يقال: فإِن خِيفَ وإنْ كان على لفظ فإن خِفْتُمْ وجب أن يقال: إلاّ أنْ تخافوا وأمّا المعنى فإنه يبعدُ أنْ يُقالَ: لا يحلُّ لكم أن تأخذوا مما آتيتموهنَّ شيئاً إلاّ أن يَخَافَ غَيرُكم ولم يقلْ تعالى فلا جُنَاحَ عليكم أن/ 25 ب/ تأخذوا له منها فِديةً فيكون الخلع إلى السلطان، وقد صحَّ عن عمر وعثمان وابن عمر أنهم أجازوا الخَلْع بغير السلطان. وقال القاسم بن محمد "إِلاَّ أَن يَخَافَآ أن لا يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِ" ما يجب عليهما في الشعرة والصحبة فأما فإن خِفتُم وقبله إلا أن يَخَافَا فهذا مخاطبة الشريعةَ وهو من لطيف كلام العرب أي فإن كنتم كذا فإن خفتم ونظيره {فلا تَعضُلوهُنّ أنْ ينكِحْنَ أزواجهنَّ} لأن الولي يعضل غيره ونظيره {والذينَ يُظاهرون من نسائِهِم} و {أَن يَخَافَآ} في موضع نصب استثناء ليس من الأول "أَلاَّ يُقِيمَا" في موضع نصب أي من أن لا يقيما وبأن لا يقيما وعلى أن لا، فلما حذف الحرف تَعدّى الفعل وقول من قال: يَخَافا بمعنى يُوقنا لا يُعْرَفُ، ولكن يقع النشوز فيقع الخوف من الزيادة "أن لا يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِ" أكثر العلماء وأهل النظر على أن هذا للمرأة خاصة لأنها التي لا تقيم حدود الله في نشوزها وهذا معروف في كلام العرب بَيّنْ في المعقول ولو أن رجلاً وامرأة اجتمعا فصلّى الرجل ولم تُصَلّ المرأة لقلتَ ما صلّيا وهذا لا يكون إلا في النفي خاصة. {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا ٱفْتَدَتْ بِهِ} يقال: إِنما الجناح على الزوج فكيف قال عليهما؟ فالجواب أنه قد كان يجوز أنْ يحظر عليهما أن يفتدي منه فأطلق لها ذلك وأعلمَ أنه لا اثم عليهما جميعاً، وقال الفراء: قد يجوز أن يكون فلا جناح عليهما للزوج وحده مثل {يَخرجُ منهما اللؤلؤ والمرجانُ} {وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ ٱللَّهِ} في موضع جزم بالشرط فلذلك حذفت منه الألف، والجواب {فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّالِمُونَ}.
اعراب آيات سورة ( البقرة )
{ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىٰ تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَآ أَن يَتَرَاجَعَآ إِن ظَنَّآ أَن يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ }
{فَإِنْ طَلَّقَهَا..} [230]
أي فإن طلقها الثالثة {فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ} أي من بعد الثالة {حَتَّىٰ تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ} وبَيّنَ رسول الله صلى الله عليه وسلم أنّ النكاح ها هنا الجِماع وكذلك أصله في اللغة.

{ وَإِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لِّتَعْتَدُواْ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلاَ تَتَّخِذُوۤاْ آيَاتِ ٱللَّهِ هُزُواً وَٱذْكُرُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَآ أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّنَ ٱلْكِتَابِ وَٱلْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }
{وَإِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ..} [231]
في إذا معنى الشرط فلذلك تحتاج الى جواب، والجواب {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} {وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً} مفعول من أجله أي من أجل الضرار {لِّتَعْتَدُواْ} نصب باضمار أنْ {وَلاَ تَتَّخِذُوۤاْ آيَاتِ ٱللَّهِ هُزُواً} مفعولان.

{ وَإِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْاْ بَيْنَهُمْ بِٱلْمَعْرُوفِ ذٰلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ مِنكُمْ يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ ذٰلِكُمْ أَزْكَىٰ لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ }
{.. ذٰلِكَ يُوعَظُ بِهِ..} [232]
ولم يقلْ: ذلكم لأنه محمول على معنى الجميعِ ولو كانَ ذلكم كان مثل {ذٰلِكُمْ أَزْكَىٰ لَكُمْ وَأَطْهَرُ}.

اعراب آيات سورة ( البقرة )
{ وَٱلْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ ٱلرَّضَاعَةَ وَعلَى ٱلْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى ٱلْوَارِثِ مِثْلُ ذٰلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُوۤاْ أَوْلاَدَكُمْ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُم مَّآ آتَيْتُم بِٱلْمَعْرُوفِ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }
{وَٱلْوَالِدَاتُ..} [233]
ابتداء {يُرْضِعْنَ} في موضع الخبر و فعل المولود رَضِعَ يَرضَعُ فهو راضع {حَوْلَيْنِ} ظرف زمان ولا يجوز أن يكون الفعل في أحدهما. هذا قول سيبويه. وقرأ مجاهد وحميد بن قيس وابن محيصن {لِمَنْ أَرَادَ أَن تَتِمَّ ٱلرَّضَاعَةُ} بفتح التاء الأولى ورفع الرضاعة بعدها. قال أبو جعفر: ويجوز "مَنْ أَرَادَ أَن يَتِمَّ ٱلرَّضَاعَةُ" بالياء لأن الرَّضاعة والرِّضاع واحد ولا يعرف البصريون: الرضاعة الا بفتح الراء والرضاع الا بكسر الراء مثل القتال، وحكَى الكوفيون كسر الراء مع الهاء وفتحها بغير هاء وقد قرأ أبو رجاء وكان فصيحاً {لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ ٱلرَّضَاعَةَ} وقرأ {لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ} بفتح التاء. {لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا} في موضع جزم بالنهي وفُتِحَت الراء لالتقاء الساكنين ويجوز كسرُها وهي قراءة، وقرأ أبو عمرو {لاَ تُضَآرُّ} جعله خبراً بمعنى النهي وهذا مَجاز والأول حقيقة. وروى أبان عن عاصم {لا تُضَارِرْ والدةٌ} وهذه لغة أهل الحجاز. قال أحمد بن يحيى: يجوز أن يكون تقدير "لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ" لا تضارَرْ ثم أدغم. قال أبو جعفر: لا تضارَّ والدةٌ اسم ما لم يُسَمَّ فاعله إذا كان التقدير لا تُضارَرُ وإن كان التقدير لا تُضارِر كانت رفعاً بفعلها. {وَلاَ مَوْلُودٌ} عطف عليها بالواو ولا توكيد {وَعَلَى ٱلْوَارِثِ مِثْلُ ذٰلِكَ} رفع بالابتداء أو الصفة/ 26 أ/ {وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُوۤاْ أَوْلاَدَكُمْ} التقدير في العربية وإن أردتم أن تسترضعوا أجنبيةً لأولادكم وحُذِفَت اللام لأنه يَتَعدَّى الى مفعولين أحدهما بحرف وأنشد سيبويه:
أَمرتُكَ الخَيرَ فافعَلْ ما أُمِرتَ بِهِ * فَقَد تَركتُكَ ذا مَالٍ وذا نَشَبِ

{ وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِيۤ أَنْفُسِهِنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ }
{وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً..} [234]
يقال أينَ خبر "ٱلَّذِينَ" ففيه أقوال قال الأخفش سعيد: التقدير والذين يُتَوفّونَ منكم ويذرون أزواجاً يتربّصْنَ بأنفسِهنّ بعدَهُمْ أو بعدَ مَوتِهِم ثم حذف هذا كما يُحذَفُ شيء كثير وقال الكسائي: في التقدير يتربّصُ أزواجهم كما قال جل وعز {والذينَ اتّخذُوا مسجداً ضراراً وكفراً -لا تقم فيه أبداً} أي لا تقم في مسجدهم وقال الفراء: إذا ذكرت اسماء ثم ذكرت أسماء مضافة إليها فيها معنى الخبر وكان الاعتماد في الخبر على الثاني أخبر عن الثاني وترك الأول. قال أبو اسحاق: هذا خطأ لا يجوز أن يُبْتَدأ باسم ولا يُحَدّثُ عنه. قال أبو جعفر: ومن أحسن ما قيل فيها قول أبي العباس محمد بن يزيد قال: التقدير والذين يُتَوفّونَ منكم ويذَرُونَ أزواجاً أزواجهم يَتَربّصْنَ بأنفسهن أربعة أشهر وعشراً ثم حَذفَ كما قال الشاعر:
وما الدهرُ إلاّ تارتان فَمِنْهُما * أموتُ وأُخرَى ابتَغِي العيشَ أكدحُ
وفيها قول رابع يكون التقدير وأزواجُ الذين يُتَوفّونَ منكم وقد ذكرنا وعشراً.

{ وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ ٱلنِّسَآءِ أَوْ أَكْنَنتُمْ فِيۤ أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ ٱللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَـٰكِن لاَّ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرّاً إِلاَّ أَن تَقُولُواْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً وَلاَ تَعْزِمُوۤاْ عُقْدَةَ ٱلنِّكَاحِ حَتَّىٰ يَبْلُغَ ٱلْكِتَابُ أَجَلَهُ وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِيۤ أَنْفُسِكُمْ فَٱحْذَرُوهُ وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ }
{وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ ٱلنِّسَآءِ..} [235]
خِطْبَةُ وخِطْبٌ واحد. والخُطْبةُ ما كان لها أول وآخر، وكذا ما كان على فُعْلَة نَحو الأكلَة والضُغْطَة. {أَوْ أَكْنَنتُمْ} يقال: أكنَنْتُ الشيء إذا أخفيتَهُ في نَفسِكَ، وكَنَنْتُهُ: صُنتَهُ ومنه {كأنهنّ بَيْضٌ مكنونٌ} هذه أفصح اللغات. {وَلَـٰكِن لاَّ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرّاً} أي على سِر حذف الحرف لأنه مما يتعدَّى إلى مفعولين أحدهما بحرف، ويجوز أن يكون في موضع الحال. {إِلاَّ أَن تَقُولُواْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً} استثناء ليس من الأول {وَلاَ تَعْزِمُوۤاْ عُقْدَةَ ٱلنِّكَاحِ حَتَّىٰ يَبْلُغَ ٱلْكِتَابُ أَجَلَهُ} أي على عقدةِ النكاحِ ثم حذف "على" كما تقدّم وحَكَى سيبويه: ضُرِبَ فلانٌ الظهرَ والبَطنَ أي "على" قال سيبويه: والحذف في هذه الأشياء لا يقاس. قال أبو جعفر: ويجوز أنْ يكون المعنى ولا تعقدوا عقدة النكاح لأن معنى تعقدوا وتَعزِموا واحد ويقال: تَعزُمُوا.
اعراب آيات سورة ( البقرة )
{ لاَّ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُواْ لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى ٱلْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى ٱلْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعاً بِٱلْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى ٱلْمُحْسِنِينَ }
{.. وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى ٱلْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى ٱلْمُقْتِرِ قَدَرُهُ..} [236]
ويقرأ {قَدَرُهُ} وأجاز الفراء: قَدَرهُ قال أبو جعفر: حَكَى أكثر أهل اللغة أن قَدْراً أو قَدَراً بمعنى واحد، وقال بعضهم: القَدْر بالتسكين الوُسْعُ. يقال فلانٌ ينفق على قَدْرِهِ أي على وُسْعِهِ. وأكثر ما يُستَعْمَلُ القَدَرُ بالتحريك للشيء إذا كان مساوياً للشيء. يقال: هذا على قَدَرِ هذا. فأما النصب فلان معنى مَتّعُوهُنّ وأعطُوهُن واحد. {مَتَاعاً} مصدر ويجوز أن يكونَ حالاً أي قَدْرُهُ في هذه الحال.

{ وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلاَّ أَن يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَاْ ٱلَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ ٱلنِّكَاحِ وَأَن تَعْفُوۤاْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ وَلاَ تَنسَوُاْ ٱلْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }
{.. فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ..} [237]
أي فعليكم، ويجوز النصب في غير القرآن أي فأدّوا نِصفَ ما فرضتم ويقال: نُصْفٌ ونَصْفٌ بمعنى نِصف {لاَّ أَن يَعْفُونَ} في موضع نصب بأن وعلامة النصب فيه مُطّرحة لأنه مبني وقد ذكرنا نظيره، إلاّ أنا نزيده شرحاً فقول سيبويه: إنه انما بُني لِمَا زادُوا فيه ولأنه مضارع للماضي، والماضي مَبنيّ فَبُنيَ كما يُبْنى الماضي ومَثّلَ هذا سيبويه بأن الأفعال أُعرِبَتْ لأنها مضارعة للاسماء والفعل بالفعل أولى من الفعل بالاسم، وهذا مما يُسْتَحْسَنُ من قول سيبويه. وقال الكوفيون: كان سبيلُه أن يُحذَفَ منه النون ولكنها علامة فلو حُذِفَتْ لذهب المعنى، وقال محمد بن يزيد: اعتلَّ هذا الفعل من ثلاثِ جهاتٍ والشيءُ إذا اعتلّ من ثلاثِ جهات بُنِيَ منها أنهُ فعل وأنه / 26 ب/ لجمع وأنه لمؤنث. قال أبو جعفر: وسمعت أبا اسحاق يُسأَلُ عن هذا فقال: هو غلط من قول أبي العباس: لأن لو سَمّينا امرأةً بفرعون لم نبنه. {أَوْ يَعْفُوَاْ ٱلَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ ٱلنِّكَاحِ} معطوف {وَأَن تَعْفُوۤاْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ} ابتداء وخبر والأصل يَعقُو واسكنت الواو الأولى لِثِقَلِ الحركةِ فيها ثم حذِفَتْ لالتقاء الساكنين. {وَلاَ تَنسَوُاْ ٱلْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} قال طاووس: إصطناع المعروف. قال أبو جعفر: وقد ذكرنا ضمة هذه الواو في {اشترُوا الضَّلالَةَ}.

{حَافِظُواْ عَلَى ٱلصَّلَوَٰتِ وٱلصَّلَٰوةِ ٱلْوُسْطَىٰ وَقُومُواْ للَّهِ قَٰنِتِينَ }
{حَافِظُواْ عَلَى ٱلصَّلَوَاتِ وٱلصَّلاَةِ ٱلْوُسْطَىٰ..} [238]
قد ذكرناه، ونزيد شرحاً. قرأ الرؤاسي {حَافِظُواْ عَلَى ٱلصَّلَوَاتِ وٱلصَّلاَةِ ٱلْوُسْطَىٰ} بالنصب أي والزَمُوا الصلاةَ الوسطى وفي حرف ابن مسعود {وٱلصَّلاَةِ ٱلْوُسْطَىٰ}، وروي عن ابن عباس "والصلاةِ الوسطى صلاةِ العصر". وهذه القراءة على التفسير لأنها زيادة في المصحف، والحديث المرويّ في القراءة والكتابة "حَافِظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاةِ العصرِ" لا يوجب أن يكون الوسطى خلاف العصر كما أنّ قوله عز وجل {فيهما فاكهة ونخلٌ ورمانٌ} أن يكون النخل والرمان خلافَ الفاكهة كما قال الشاعر:
النّازِلُونَ بِكُلّ مُعْتَركٍ * والطّيِّيونَ مَعَاقِدَ الأزُرِ
ليس الطيِبونَ فيه خلافَ النازلينَ، وحكى سيبويه: مررت بزيدٍ أخيكَ وصديقكَ. والصديق هو الأخ. قال أبو جعفر: وقد ذكرنا احتجاج من قال: إن الصلاة الوسطى العصر لأنها بين الصلاتين من صلاةِ النهار وصلاتَينِ من صلاةِ الليل وأجودُ من هذا الاحتجاج أن يكونَ قِيلَ لها: الوسطى لأنها بين صلاتين إحداهما أولُ ما فُرِضَ والأخرَى الثالثة مما فرض وحَجّةُ من قال: انها الصبح أنها بين صلاتين من صلاةِ النهارِ وصلاتين من صلاةِ الليل وحجة من قال: انها الظهر أنها في وسط النهارِ وقال قوم: هي العشاء الآخرة وقال قوم: هي المغرب لأنها بين صلاتين من النهار وصلاتين من الليل. {وَقُومُواْ للَّهِ قَانِتِينَ} منصوب على الحال وقد بينا معناه.

اعراب آيات سورة ( البقرة )
{ فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً فَإِذَآ أَمِنتُمْ فَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ }
{فَإنْ خِفْتُمْ..} [239]
شرط، وجوابه ما قلنا {فَرِجَالاً} نصب على الحال أي فصلّوا رجالاً، والمعنى فإن خفتم أن تقوموا لله قانتين فصلّوا مشاة أو ركباناً. قال أبو جعفر: يقال: راجِلٌ ورَجْلانٌ ورَجُل بمعنى واحد وفي الجمع لغات يقال: رجّالة رجال مِثلُ صَاحب وصِحَاب كما قال:
* وقَالَ صِحَابي قد شَأونَكَ فاطْلُبِ *
ويجوز أن يكونَ رِجال جمع رَجْل بمعنى راجل، ويقال في الجمع: رُجّال مِثلُ كاتِب وكُتّاب، ويقال: رَجْل مِثلُ تاجر وتَجْر، ويقال: راجِلِ ورِجْلَة ورَجْلَة اسم للجمع، وكذا رُجال مُخفّف ويقال: رُجَالَى ورَجَالَى ورَجْلَى جمع رَجْلان. {فَإِذَآ أَمِنتُمْ فَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ} أي فقوموا للهِ قانتين.

{ وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِمْ مَّتَاعاً إِلَى ٱلْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِيۤ أَنْفُسِهِنَّ مِن مَّعْرُوفٍ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }
{وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِمْ..} [240]
الذين في موضع رفع إن شئتَ بالابتداء، والتقدير يوصون وَصيّةً. والمعنى ليُوصُوا وصيّةً، وإن شئت كان الذين رفعاً باضمارِ فعلٍ أي يُوصّي الذينَ يُتَوفَّونَ منكم وصيّة، وفي الرفع وجه ثالث أي وفِيما فرض عليكم الذي يُتَوفَّون منكم ويَذَرُونَ أزواجاً يُوصُون وَصيّةً لأزواجِهِم والذينَ مَبنيّ على حالٍ واحدة لأنه لا تتمّ الا بصلةٍ ويقال: الّذونَ في موضع الرفع ومن قرأ {وَصِيّةٌ} بالرفع فتقديره والذين يُتَوفّون منكم عليهم وصِيّةٌ لأزواجِهِم، {مَّتَاعاً} مصدر عند الأخفش وعند أبي العباس أي ذوي متاع {غَيْرَ إِخْرَاجٍ} في نصبه ثلاثة أوجه: قال الفراء: أي من غير إخراج وقال الأخفش: هو مصدر أي لا اخراجاً ثم جعل غيرا في موضع "لا" وقيل: هو حال/ 27/ أ أي غير ذوي اخراج، والمعنى يُوصونَ بهنّ غير مُخْرجينَ لهنّ وهذا كلُّهُ منسوخ {بالربع والثمن} و {أربعةَ أشهر وعشراً} و "لا وَصِيّةَ لوارثٍ" {فَإِنْ خَرَجْنَ} شرط والجواب {فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} فيما فعلنَ في أنفسهنّ من معروف.

{ وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِٱلْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى ٱلْمُتَّقِينَ }
{وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِٱلْمَعْرُوفِ حَقّاً..} [241]
قال الأخفش: هو مصدر أي أحقُّ ذلك حقاً. قال أبو جعفر: {على} متعلّقةٌ بالفعل المحذوف أي يحق ذلك على المتّقين حقاً.
اعراب آيات سورة ( البقرة )
{ أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَٰرِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ ٱلْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ ٱللَّهُ مُوتُواْ ثُمَّ أَحْيَٰهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلنَّاسِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ }
{أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِمْ..} [243]
هذه ترى من رؤية القلب أي ألم تَتَنَبّهْ على هذا وألم يأتِكَ علمه والأصل الهمز فَتُرك استخفافاً. {حَذَرَ ٱلْمَوْتِ} مفعول من أجله وهو مصدر {إِنَّ ٱللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلنَّاسِ} اسم إنّ وخبرها واللام زائدة للتوكيد. وأصل ذِي ذوىً فاعلمْ وقد نطق القرآن به على الأصل قال الله عز وجل: {ذَواتا أفنانٍ}. ومعنى لذو فضل على الناس ها هنا أنه أحْيَا هؤلاء بعد الموت وأراهم الآية العظمى.

{ وَقَٰتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }
{وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ..} [244]
أمر أي لا تهربوا كما هرب هؤلاء {وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} اسم "انّ" وخبرها أي يسمع قولكم ان قلتم مثل ما قال هؤلاء ويعلم مرادكم به.

{ مَّن ذَا ٱلَّذِي يُقْرِضُ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَٰعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً وَٱللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }
{مَّن ذَا ٱلَّذِي يُقْرِضُ ٱللَّهَ..} [245]
"مَنْ" رفع بالابتداء، وخبره "ذا" و "ٱلَّذِي" نعت لذا، وان شئت بدل {قَرْضاً} اسم للمصدر وأصل قَرَضْتُ قَطعت، ومنه سُميَ المقراضان ومنه {تَقْرضُهُم ذاتَ الشِّمالِ}، فمعنى أقرضْتُ الرجلَ أعطيته قطعة من مالي {فَيُضَاعِفُهُ لَهُ} عطف على يقرض وإن شئتَ كان مستأنفاً وقرأ ابن أبي اسحاق والأعرج {فيضاعِفَهُ له} نصباً وقد رُوِيَ أيضاً هذا عن عاصم والنصب على جواب الاستفهام و {أَضْعَافاً} بمعنى المصدر {كَثِيرَةً} من نعته {وَٱللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ} وإن شئتَ قَلَبت السين صاداً لأن بعدها طاءاً.

اعراب آيات سورة ( البقرة )
{ أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلْمَلإِ مِن بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَىۤ إِذْ قَالُواْ لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ٱبْعَثْ لَنَا مَلِكاً نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلْقِتَالُ أَلاَّ تُقَاتِلُواْ قَالُواْ وَمَا لَنَآ أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَآئِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ ٱلْقِتَالُ تَوَلَّوْاْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِٱلظَّالِمِينَ }
{أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلْمَلإِ مِن بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ..} [246]
قيل: الملأ الأشراف لأنهم مليئون بما يدخلون فيه {إِذْ قَالُواْ لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ٱبْعَثْ لَنَا مَلِكاً نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ} جزم لأنه جواب الطلب والطلب في لفظ الأمر، ويجوز نقاتلُ في سبيل الله رفعاً بمعنى نحن نقاتل أي فأنا مِمَّنْ يقاتل، ومن قرأ بالياء يقاتلُ فالوجه عنده الرفع لأنه نعت لملك. {قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ} قال أبو حاتم: ولا وجه لِعَسِيتُم، وقد قرأ الحسن به ونافع وطلحة ابنُ مصرّف ولو كان كذا لقرئتْ {فَعَسِيَ الله}. قال أبو جعفر: حكى يعقوب بن السّكيت وغيره أنّ "عسيْت" لغة ولكنها لغة رديئة فإذا قال عسى الله ثم قال: فهل عسِيتُم استعمل اللغتين جميعاً إلاّ أنه ينبغي له أنْ يقرأ بأفصح اللغتين وهي فتح السين. {إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلْقِتَالُ} شرط {أَلاَّ تُقَاتِلُواْ} في موضع نصب. قال أبو اسحاق: أي هل عسيتم مقاتلة {قَالُواْ وَمَا لَنَآ أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ} قال الأخفش: أنْ زائدة وقال الفراء: هو محمول على المعنى أي وما مَنَعنا كما تقول: مالك ألاّ تصلي أي ما منعك، وقيل: المعنى وأيّ شيء لنا في ألا نُقاتِل في سبيل الله، وهذا أجودها {وأنْ} في موضع نصب. {وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَآئِنَا} أي سُبِيَتْ ذرارِينَا {تَوَلَّوْاْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ} استثناء.

{ وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً قَالُوۤاْ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ ٱلْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِٱلْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ ٱلْمَالِ قَالَ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي ٱلْعِلْمِ وَٱلْجِسْمِ وَٱللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }
{وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً..} [247]
"طَالُوتَ" مفعول، ولم ينصرف لأنه أعجميّ وكذا داود وجالوت، ولو سمّيت رجلاً بطاووس وراقود لَصَرفتَ وان كانا أعجميّين، والفرق بين هذا وبين الأول أنك تقول: الطاووس فَتدخِل فيه الألف واللام فَتمكّنَ في العربية، ولا يكون هذا في ذاك {مَلِكاً} نصب على الحال {قَالُوۤاْ أَنَّىٰ} من أيّ جهة وهي في موضع/ 27 ب/ نصب على الظرف {ٱلْمُلْكُ عَلَيْنَا} رفع اسم يكون {وَنَحْنُ أَحَقُّ بِٱلْمُلْكِ مِنْهُ} ابتداء وخبر {وَلَمْ يُؤْتَ} جزم بلم فلذلك حذفت منه الألف {سَعَةً مِّنَ ٱلْمَالِ} خبر ما لم يُسَمَّ فاعله.

{ وَقَالَ لَهُمْ نِبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ ٱلتَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَىٰ وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ }
{.. إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ ٱلتَّابُوتُ..} [248]
اسم "إِن" وخبرها أي إتيان التابوت والآية في التابوت على ما رُويَ أنه كان يُسْمَعُ فيه أنين فإذا سمع ذلك ساروا نحوهم وإذا هدأ الأنينِ لم يسيروا ولم يسر التابوت. ولغة الأنصار التابُوهُ بالهاء. وَرُوِيَ عن زيد بن ثابت {التّبوت} {فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ} رفع بالابتداء أو بالاستقرار فيجوز أن تكون السكينة شيئاً فيه وكذا البقيّة، ويجوز أن يكون التابوت في نفسه سكينة وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون. والأصل في آل أهل.
اعراب آيات سورة ( البقرة )
{ فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِٱلْجُنُودِ قَالَ إِنَّ ٱللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّيۤ إِلاَّ مَنِ ٱغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُواْ مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ قَالُواْ لاَ طَاقَةَ لَنَا ٱلْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنودِهِ قَالَ ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاَقُواْ ٱللَّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ مَعَ ٱلصَّابِرِينَ }
قرأ حميد بن قيس {.. إِنَّ ٱللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ..} [249] باسكان الهاء. وهي لغة إلا أن الكوفيين يقولون: ما كان ثانيه أو ثالثه حرفاً من حروف الحلق كان ذلك أن تسكّنه وأن تُحرِّكهُ نَحوُ نَهْز وسَمْع ولحْم فأما البصريون فَيَتبعُون في هذا اللغة السماع من العرب ولا يتجاوزون ذلك. {إِلاَّ مَنِ ٱغْتَرَفَ غَرْفَةً} "مَنْ" في موضع نصب بالاستثناء واختار أبو عُبَيْدٍ: {إِلاَّ مَنِ ٱغْتَرَفَ غُرْفَةً} بضم الغين قال: لأنه لم يُقَلْ: غَرَفَ وانما هو الماء بعينِهِ.
قال أبو جعفر: الفتح في هذا أولَى لأن الغُرْفَةَ بالضم هي ملءُ الشيء يقع للقليل والكثير والغَرْفَةُ بالفتح المرة الواحدة وسياق الكلام يدلُّ على القليل فالفتح أشبهُ. فأما قول أبي عبيد أنه اختاره لأنه لم يُقَلْ: غَرفَ فمردود لأن غَرفَ واغترف بمعنى واحد {فَشَرِبُواْ مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ} استثناء {فَلَمَّا جَاوَزَهُ} الهاء تعود على النهر "وهو" توكيد "وَٱلَّذِينَ" في موضع رفع عطف على المضمر في جاوزه ويقبح أن تعطف على المضمر المرفوع حتى تؤكِّده لأنه لا علامة له فكأنك عطفت على بعض الفعل فإذا وُكِّد به والتوكيد هو الموكَّد فكأنك جئت به مُنْفَصِلاً {قَالُواْ لاَ طَاقَةَ لَنَا ٱلْيَوْمَ بِجَالُوتَ} طاقة وطوق اسمان بِمعنَى الأطاقة. {كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ} لو حَذَفْتَ من لكان الاختيار الخفض لأنه خبر.

{ فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ ٱللَّهُ ٱلْمُلْكَ وَٱلْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَآءُ وَلَوْلاَ دَفْعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ ٱلأَرْضُ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلْعَالَمِينَ }
{.. وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَآءُ..} [251]
قيل: من ذلك منطق الطير وعمل الدروع {وَلَوْلاَ دِفاعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ} اسم "الله" تعالى في موضع رفع بالفعل لولا أن يدفع و {دِفاع} مرفوع بالابتداء عند سيبويه "ٱلنَّاسَ" مفعولون "بَعْضَهُمْ" بدل من الناس "ببعضٍ" في موضع المفعول الثاني عند سيبويه وهو عنده مثل قولك: ذَهَبْتُ بِزَيدٍ، فبزيد في موضع مفعول واختار أبو عُبَيْدٍ {وَلَوْلاَ دَفْعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ} وأنكر دِفَاع وقال: لأن الله تعالى لا يغالبه أحد. قال أبو جعفر: القراءة بدفَاع حسنةَ جيدة وفيها قولان قال أبو حاتم: دَافَعَ ودَفَعَ واحد يذهب الى أنه مثل طَارَقْتُ النعلَ، وأجود من هذا وهو مذهب سيبويه لأن سيبويه قال: وعلى ذلك دَفَعْتُ الناس بعضهم ببعضٍ ثم قال: ومثل ذلك "وَلَوْلاَ دِفاعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ". قال أبو جعفر: هكذا قرأتُ على أبي اسحاق في كتابِ سيبويه أن يكون "دِفَاع" مصدر دَفَعَ كما تقول: حَسَبْتُ الشيء حِسَاباً ولَقِيتُهُ لقاءاً وهذا أحسن فيكون دِفَاعٌ ودَفْعٌ مصدرين لِدَفَعَ.

{ تِلْكَ آيَاتُ ٱللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِٱلْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ }
{تِلْكَ..} [252]
ابتداء {آيَاتُ ٱللَّهِ} خبره، وان شئت كانت بدلاً والخبر {نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِٱلْحَقِّ} {وَإِنَّكَ لَمِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ} خبر "إنّ" أي وإنك لمرسل/ 28/ أ تم الجزء الثالث من كتاب اعراب القرآن والحمد لله رب العالمين وصلى الله على النبي محمد وآله الكرام الابرار وسلم.
اعراب آيات سورة ( البقرة )
{ تِلْكَ ٱلرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ مِّنْهُمْ مَّن كَلَّمَ ٱللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ ٱلْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ ٱلْقُدُسِ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا ٱقْتَتَلَ ٱلَّذِينَ مِن بَعْدِهِم مِّن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ ٱلْبَيِّنَاتُ وَلَـٰكِنِ ٱخْتَلَفُواْ فَمِنْهُمْ مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَّن كَفَرَ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا ٱقْتَتَلُواْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ }
{تِلْكَ ٱلرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ..} [253]
تلك لتأنيث الجماعة وهي رفع بالابتداء و "ٱلرُّسُلُ" نعت وخبر الابتداء الجملة. وعند الكوفيين "تلك" رفع بالعائد كما تقول: زَيدٌ كلّمتُ أباه {مِّنْهُمْ مَّن كَلَّمَ ٱللَّهُ} حذفتَ الهاء لطول الاسم، والمعنى من كلّمه الله ومَنْ لموسى صلى الله عليه وسلم قال: {وكلّمَ اللهُ موسَى تكليماً} {وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ} ههنا على مذهب ابن عباس والشَّعبِيّ ومجاهد محمد صلى الله عليه وسلم "بُعِثْتُ إلى الأحمر والأسود وجُعِلَتْ لي الأرضُ مَسجِداً وطهوراً ونُصِرت بالرعبِ مَسِيرَةَ شهرٍ وأُحِلَّتْ لي الغنائم وأُعْطِيَتُ الشفاعة". ومن ذلكَ القرآنُ وانشقاقَ القمر وتكليمه الشجرة واطعامه خلقاً عظيماً من تُمَيراتٍ ودُرَورُ شاة أم معبدٍ بعد جَفافٍ. {وَآتَيْنَا عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ ٱلْبَيِّنَاتِ} مفعولان {وَلَـٰكِنِ ٱخْتَلَفُواْ} كُسِرت النون لالتقاء الساكنين ويجوز حذفها لالتقاء الساكنين في غير القرآن وأنشد سيبويه:
فَسَلتُ بآتِيهِ ولا أستَطِيعُهُ * وَلاَكِ اسقِني إنْ كان ماؤُكَ ذا فَضلِ
{فَمِنْهُمْ مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَّن كَفَرَ} "مَنْ" في موضع رفع بالابتداء أو بالصفة.

{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَنْفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَٰكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ وَلاَ شَفَاعَةٌ وَٱلْكَٰفِرُونَ هُمُ ٱلظَّٰلِمُونَ }
{.. مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ وَلاَ شَفَاعَةٌ..} [254]
[الجملة في موضع رفع نعت لليوم فإن شئت رفعتَ فقلتَ {لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ وَلاَ شَفَاعَةٌ}] تجعل "لا" بمعنى "ليس" أو بالابتداء وإنْ شئتَ نصبتَ على التَّبرِئَةِ وقد ذكرناه قبل هذا {وَٱلْكَافِرُونَ} ابتداء {هم} ابتداء ثان {ٱلظَّالِمُونَ} خبر الثاني وان شئت كانت "هُمُ" زائدة للفصل والظالمون خبر الكافرون.

{ ٱللَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْحَيُّ ٱلْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ مَن ذَا ٱلَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَآءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ ٱلْعَلِيُّ ٱلْعَظِيمُ * لاَ إِكْرَاهَ فِي ٱلدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ ٱلرُّشْدُ مِنَ ٱلْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِٱلطَّاغُوتِ وَيْؤْمِن بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱسْتَمْسَكَ بِٱلْعُرْوَةِ ٱلْوُثْقَىٰ لاَ ٱنفِصَامَ لَهَا وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }
{ٱللَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ..} [255]، [256]
ابتداء وخبر، وهو مرفوع محمول على المعنى أي ما إله إلاّ هو، ويجوز لا إله إلاّ هو، ويجوز في غير القرآن لا إله إلاّ إيّاهُ نَصْبٌ على الاستثناء. قال أبو ذرٍّ: سألتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم أيما أُنزِلَ إليكَ من القرآن أعظم فقال: {ٱللَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْحَيُّ ٱلْقَيُّومُ}. وقال ابن عباس: أشرفُ آيةٍ في القرآن آيةُ الكرسي. {ٱلْحَيُّ ٱلْقَيُّومُ} نعت لله عز وجل، وإن شئت كان بدلاً من هو وإنْ شئتَ كان خبراً بَعدَ خبر، وان شئت على اضمار مبتدأ، ويجوز في غير القرآن النصبُ على المدح. وقد ذكرنا التفسير والأصل فيه. {لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ} الأصل وِسْنَةٌ حُذِفَت الواو كما حُذِفَتْ من يَسِنُ ولا نوم الواو للعطف "ولا" توكيد، {لَّهُ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ} في موضع رفع بالبتداء او بالصفة. {مَن ذَا ٱلَّذِي يَشْفَعُ} "مَنْ" رفع بالابتداء و "ذا" خبره والذي نعت لذا، وان شئت بدل، ولا يجوز أن تكون "ذا" زائدة كما زيدت مع "ما" لأن "ما" مبهمة فزيدت "ذا" معها لشبهها بها: يقال: كُرسِيّ وكِرْسِيٌّ. ويجوز {لاَ إِكْرَاهٌ فِي ٱلدِّينِ..} [256] وقرأ أبو عبدالرحمن {قَد تَّبَيَّنَ ٱلرُّشْدُ مِنَ ٱلْغَيِّ} وكذا يُرْوَى عن الحسن والشَّعبِي. يقال: رَشَدَ يَرشُدُ رُشْداً ورَشِدَ يرشَدُ رَشَداً. إذا بَلَغَ ما يحب وغَوَى ضدّهُ كما قال:
* ومَن يَغْوِ لا يَعْدَمْ على الغيِّ لائِماً *
{فَمَنْ يَكْفُرْ بِٱلطَّاغُوتِ} جزم بالشرط والطاغوت مؤنث وقد ذكرنا معناها وما قيل فيها {وَيْؤْمِن بِٱللَّهِ} عطف {فَقَدِ ٱسْتَمْسَكَ بِٱلْعُرْوَةِ ٱلْوُثْقَىٰ} جواب. وجَمْعُ الوُثْقَى الْوَثَقَ مثل الفُضْلى والفُضَل.

اعراب آيات سورة ( البقرة )
{ ٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُمْ مِّنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ وَٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَوْلِيَآؤُهُمُ ٱلطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِّنَ ٱلنُّورِ إِلَى ٱلظُّلُمَاتِ أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }
{.. وَٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ..} [257]
ابتداء. {أَوْلِيَآؤُهُمُ} ابتداء ثان و {ٱلطَّاغُوتُ} خبره، والجملة خبر الأول.

{ أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ ٱللَّهُ ٱلْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ ٱلَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ ٱللَّهَ يَأْتِي بِٱلشَّمْسِ مِنَ ٱلْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ ٱلْمَغْرِبِ فَبُهِتَ ٱلَّذِي كَفَرَ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ }
{أَلَمْ تَرَ..} [258]
حُذِفَتِ/ 28 ب/ الياء للجزم، وقد ذكرنا الصلة {أَنْ آتَاهُ ٱللَّهُ ٱلْمُلْكَ} في موضع نصب أي لأن {قَالَ أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ} الاسم "أنَ" "فإذا قلتَ: أنا أو: أَنَه فالألف والهاء لبيان الحركة ولا يقال: أنا فَعَلتُ باثبات الألف إلاّ شاذاً في الشعر على أنّ نافعاً قد أثبت الألف فقرأ {قَالَ أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ} ولا وَجهَ له. {فَبُهِتَ ٱلَّذِي كَفَرَ} الذي في موضع رفع اسم ما لم يُسمّ فاعله. يُقَال: بُهِتَ الرجل وبَهِتَ وبَهُتَ إذا انقطع وسكت مُتَحيِّراً.

{ أَوْ كَٱلَّذِي مَرَّ عَلَىٰ قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىٰ يُحْيِـي هَـٰذِهِ ٱللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ ٱللَّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَٱنْظُرْ إِلَىٰ طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَٱنْظُرْ إِلَىٰ حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَٱنْظُرْ إِلَى ٱلعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }
{أَوْ كَٱلَّذِي مَرَّ عَلَىٰ قَرْيَةٍ..} [259]
قيل: قرية لاجتماع الناس فيها من قولهم: قَريتُ الماء أي جَمعتُهُ. {وَهِيَ خَاوِيَةٌ} ابتداء وخبر {فَأَمَاتَهُ ٱللَّهُ مِئَةَ عَامٍ} ظرف {قَالَ كَمْ لَبِثْتَ}، وقرأ أهل الكوفة {قال كم لَبِتَّ} ادغموا الثاء في التاء لقُربِهَا منها والاظهار أحسنُ {فَٱنْظُرْ إِلَىٰ طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ} أصَحُّ ما قِيلَ فيه: أنّ معناه لم تغيّره السنون. مَنْ قرأ {لَمْ يَتَسَنَّهْ وَٱنْظُرْ} بالهاء في الوصل قال: أصل سَنَةٍ: سَنْهَةٌ، وقال: سُنَيْهَة في التصغير كما قال:
* ليست بِسَنْهاءَ ولا رُجَبِيّةٍ *
فَحَذَفَ الضمة للجزم، ومن قرأ {لَمْ يَتَسَنَّ وَٱنْظُرْ} قال: في التصغير سُنَيّةٌ وحذف الألف للجزم ويقف على الهاء فيقول: لم يَتسنّهْ تكون الهاء لبيان الحركة، وقرأ طلحة بنُ مُصَرّفٍ {لم يسَّنَّ} ادغم التاء في السين {وَٱنْظُرْ إِلَى ٱلعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا} وَرُوِيَ عن ابن عباس والحسن {كَيْفَ نَنْشُزُهَا} والمعنى واحد كما يقال: رَجَعَ وَرَجَعْتُهُ إلا أنّ المعنى المعروف في اللغة أنشَرَ اللهُ الموتى فنشروا وقيل: نَنْشُرُها مثلُ نشَرتُ الثوب كما قال:
حَتّى يَقولَ النّاسَ مِمّا رَأَوا * يَا عَجباً لِلْمَيِّتِ الناشِرِ

اعراب آيات سورة ( البقرة )
{ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي ٱلْمَوْتَىٰ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَىٰ وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ ٱلطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ ٱجْعَلْ عَلَىٰ كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ٱدْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَٱعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }
{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ..} [260]
ويجوز في غير القرآن رَبّي باثبات الياء فمن حذف قال: النداء موضع حذف ومن أثبتَ قال: هي اسم فإذا حَذفتُ كان الاختيار أن أَقِفَ بغير إشمام فأقول: رَبّ فيشبه هذا المفرد. {أَرِنِي} قد ذكرناه. {كَيْفَ} في موضع نصب أي بأي حالٍ تحيي الموتى {وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} أي سألتك ليطمئن قلبي {ثُمَّ ٱجْعَلْ عَلَىٰ كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا}. قال أبو اسحاق: المعنى ثم اجعل على كل جبل من كل واحد جزءاً، وقرأ أبو جعفر وعاصم {جُزُءًا} على فُعُل {يَأْتِينَكَ سَعْياً} نصب على الحال.

{ مَّثَلُ ٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَٱللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }
{.. فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ..} [261]
رفع بالابتداء. قال يعقوب الحضرمي: وقرأ بعضهم {فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةَ حَبَّةٍ} على أَنبَتَتْ مائةَ حبةٍ وكذلك قرأ بعضهم {وللذين كفروا بربّهم عذابَ جَهنّم} على {واعتَدْنا لهم عَذابَ السَّعِير} واعتدنا للذين كفروا عذاب جهنم.


{قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ..} [263]
[ابتداء والخبر محذوف أي قول معروف أمثثَلُ وأولَى، ويجوز أن يكون قول معروف] خبر ابتداء محذوف أي الذي أُمِرتُمْ به قول معروف. {وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَآ أَذًى} وهذا مُشْكِلٌ يُبَيِّنُه الاعراب {مَغْفِرَةٌ} رفع بالابتداء والخبر "خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ" والمعنى - والله أعلم - وفعلٌ يُؤدّي إلى المغفرة خير من صدقة يتبعها أذى وتقديره في العربية وفعل مغفرةٍ ويجوز أن يكونَ مثل قولك: تَفضُّلُ اللهِ عَليكَ أكثرُ من الصدقة التي تَمُنُّ بها أي غفران الله خير من صدقتكم هذه التي تمنّون بها.

اعراب آيات سورة ( البقرة )
{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَٰتِكُم بِٱلْمَنِّ وَٱلأَذَىٰ كَٱلَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَآءَ ٱلنَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لاَّ يَقْدِرُونَ عَلَىٰ شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُواْ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْكَافِرِينَ }
{يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِٱلْمَنِّ وَٱلأَذَىٰ..} [264]
العرب تقول لِما يُمَنُّ به: يدٌ سوداء ولما يُعْطَى عن غير مسألة: يدٌ بيضاء ولما يعطى عن مسألة ولا يُمنّ به: يدٌ خضراء {كَٱلَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَآءَ ٱلنَّاسِ} الكاف في موضع نصب أي إِبطالاً كالذِي ينفق ماله رئاء الناس فهي نعت للمصدر المحذوف، ويجوز أن تكونَ في موضع الحال {مَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ} ابتداء وخبر، وقرأ سعيد بن المُسَيَّب والزُّهْرِي {كَمَثَلِ صَفَوان} بتحريك الفاء، وحكى قطرب {مثل صِفوان}. قال الأخفش: صَفْوان جماعة صَفْوانةٍ. قال: وقال بعضهم/ 29 أ/ صفوانٌ واحد مثل حجرٍ. قال الكسائي: صَفْوان واحد وجمعه صِفْوان وصُفِيُّ وصَفيّ. قال أبو جعفر: صَفْوان وصَفَوان يجوز أن يكون جمعاً وأن يكون واحداً إلاّ أن الأَولى أن يكون واحداً لقوله عليه ترابٌ فأصابه وابلٌ وأن كان يجوز تذكير الجمع إلاّ أن الشيء لا يُخْرَجُ عن بابه إلاّ بدليل قاطع فأما ما حكاه الكسائي في الجمع فليس يَصحّ على حقيقة النظر ولكن صِفْوان جمع صَفاً بمعنى صَفْوان ونَظِيرُهُ وَرَلٌ وِررْلانٌ وأَخٌ وإخْوانٌ وكَرَى وكِرْوانٌ كما قال:
لَنَا يَومٌ ولِلكرْوانِ يَوم * تَطِيرُ البائِسَاتُ وما نَطيرُ
والضعيف في العربية يقول: كِرْوان جمع كَرَوان وصُفِيّ جَمْعُ صَفاً مثل عصاً وعصيّ. قال الكسائي: وهي الحجارة الملس التي لا تُنبتُ شيئاً {فَتَرَكَهُ صَلْداً} قال الكسائي: يقال: صَلِدَ يَصْلدُ صَلَداً بتحريك اللام فهو صَلْدٌ بالاسكان وهو كل ما لا يُنْبِتُ شيئاً ومنه جبين أَصْلَدُ وأنشد الأصمعيّ:
* بَرّاقَ أصْلادِ الجَبِينِ الأجْلَهِ *

{ وَمَثَلُ ٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوٰلَهُمُ ٱبْتِغَآءَ مَرْضَاتِ ٱللَّهِ وَتَثْبِيتاً مِّنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }
{وَمَثَلُ ٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ٱبْتِغَآءَ مَرْضَاتِ ٱللَّهِ..} [265]
مفعول من أجله {وَتَثْبِيتاً مِّنْ أَنْفُسِهِمْ} عطف عليه {كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ} وقرأ ابن عباس وأبو اسحاق السَّبِيعي {بِرِبوةٍ} بكسر الراء وقرأ الحسن وعاصم وابن عامر الشامي {بِرَبْوَةٍ} بفتح الراء. قال الأخفش: ويقال: برِبَاوَةٍ وبِرَبَاوَةٍ وكُلّهُ من الرابية وفِعلُهُ رَبَا يَرْبُو. {فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ}. قال أبو اسحاق: أي فالذي يصيبها طلٌّ. قال أبو جعفر: حكى أهل اللغة: وبَلَتْ وأَوبَلَتْ وطَلّتْ وأطَلّتْ.

{ أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ ٱلْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَآءُ فَأَصَابَهَآ إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَٱحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلأيَٰتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ }
{أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ..} [266]
يقال: "تَكُونَ" فعل مستقبل فكيفَ عَطفَ عليه بالماضي وهو {وَأَصَابَهُ ٱلْكِبَرُ} ففيه جوابان: أحَدُهُما أنّ التقدير وقد أصابه الكبر، والجواب الآخر أنهُ مَحمول على المعنى لأن المعنى أيودّ أحدكم لو كانت له جنة فعلى هذا وأصابه الكبر. {وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَآءُ} وقال في موضع آخر {ذُرِّيَّةً ضِعَافاً} كما تقول: ظَرِيفٌ وظُرَفاءُ وظِرَافٌ.
اعراب آيات سورة ( البقرة )
{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَنْفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّآ أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ ٱلأَرْضِ وَلاَ تَيَمَّمُواْ ٱلْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ }
{.. وَلاَ تَيَمَّمُواْ ٱلْخَبِيثَ..} [267]
وفي قراءة عبدالله {ولا تَأمَّمُوا} هما لغتان، وقرأ ابن كثير {وَلاَ تَيَمَّمُواْ} والأصل تَتَيَمّموا فادغم التاء في التاء، ومن قرأ {تَيَمَّمُواْ} حذف وقرأ مسلم بن جندبٍ {وَلاَ تَيَمَّمُواْ} {وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ} وقرأ قتادة {إِلاَّ أَن تَغمّضواْ} وقال: إلاّ أنْ تُغمّض لكم فيه، ورُوِيَ عنه {إِلاَّ أن تُغَمِّضُوا فِيهِ} أي تأخذوه بنقصانٍ فَكيفَ تُعطُونَه في الصدقة "أنْ" في موضع نصب والتقدير إلاّ بأن.

{ ٱلشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ ٱلْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِٱلْفَحْشَآءِ وَٱللَّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَٱللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }
{ٱلشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ ٱلْفَقْرَ..} [268]
مفعولان ويقال: الفُقْر {وَيَأْمُرُكُم بِٱلْفَحْشَآءِ} ويجوز في غير القرآنِ ويأمركُم الفحشاءَ بحذف الباء وانشد سيبويه.
أمرتُكَ الخَيْرَ فافعَلْ ما أُمِرتَ بِهِ * فَقَدْ تَركتُكَ ذا مالٍ وذَا نَشَبِ

{ يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَآءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ }
{.. وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ..} [269]
شرط فلذلك خُفِفَت الألف والجواب {فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً}.

اعراب آيات سورة ( البقرة )
{ وَمَآ أَنفَقْتُمْ مِّن نَّفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِّن نَّذْرٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ }
{وَمَآ أَنفَقْتُمْ مِّن نَّفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِّن نَّذْرٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُهُ..} [270]
يكون التقدير وما أنفقتم من نفقة فإنّ الله يعلمها وما نذرتم من نذر فإنّ الله يعلمه ثم حذف، ويجوز أن يكونَ التقدير وما أنفقتم من نَفَقَةٍ فإنّ الله يعلمه وتعود الهاء على "ما" كما أُنشِدَ:
فَتوضِحَ فالمِقْرَاةِ لَمْ يَعْفُ رَسْمُهَا * لِمَا نَسَجَتْهُ مِنْ جَنُوبٍ وشَمْأَلِ
ويكون "أَوْ نَذَرْتُمْ مِّن نَّذْرٍ" معطوفاً عليه.

{ إِن تُبْدُواْ ٱلصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا ٱلْفُقَرَآءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ }
{إِن تُبْدُواْ ٱلصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ..} [271]
هذه قراءة أبي عمرو وعاصم ونافع، وقرأ الأعمش وحمزة والكسائي {فَنَعِمَّا هِيَ} بفتح النون، ورُوِيَ عن أبي عمرو ونافع باسكان العين رواه قالون عن نافع، ويجوز في غير القرآن "فَنِعْمَ مَا هي" ولكنه في السواد مُتّصل فلزم الادغام وحكى النحويون في نِعْمَ أربعَ لُغَاتٍ يقال/ 29 ب/ نَعِمَ الرجل زيدٌ هذا الأصل ويقال: نِعِمَ الرجل فتكسر النون لكسرة العين، ويقال: نَعْمَ الرجل والأصل نَعِمَ حُذِفَتِ الكسرة لأنها ثقيلة، ويقال: نِعْمَ الرجل وهذه أفصح اللغات. والأصل: فيها نَعِمَ، وهي تقع في كل مدح فَخُفِّفَتْ وقلِبَت كسرة العين على النون وأُسكِنَت العين، فمن قرأ "فَنِعِمَّا هِيَ" فَلَهُ تقديران: أحدهما أن يكون جاء به على لغة من قال: نِعِمَ، والتقدير الآخر: أن يكون على اللغة الجَيّدة فيكون الأصل نِعْم ثم كسرت العين لالتقاء الساكنين فأما الذي حُكِيَ عن أبي عمرو ونافع من إِسكان العين فمحال. حُكِيَ عن محمد بن يزيد أنه قال: أما اسكان العين والميم مُشَدّدَةُ فلا يقدِرُ أحدٌ أن يَنطِقَ بِهِ وإنما يروم الجمع بين ساكنين ويُحرّك ولا يأبه. قال أبو جعفر: ومن قرأ "فَنَعِمّا هي" فَلَهُ تقديران: أحدهما أن يكون على لغة من قال : نعم الرجل، والآخر أن يكون على لغة من قال: نِعْمَ الرجلُ، فكسر العين لالتقاء الساكنين، ويجب على من قرأ: فَنَعِمَ أن يقول: بَئِس. {وَإِن تُخْفُوهَا} شرط فلذلك حُذِفَتْ منه النون {وَتُؤْتُوهَا} عطف عليه، والجواب {فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ} قرأ قتادة وابن أبي اسحاق وأبو عمرو {وَنُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ} وقرأ نافع والأعمش وحمزة والكسائي {وَنُكَفِّرْ عَنكُم} إلا أنّ الحسين بن علي الجُعْفِي رَوَى عن الأعمش {وَنُكَفِّرَ عَنكُم} بالنصب. قال أبو حاتم: قرأ الأعمش {فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ نُكَفِّرْ عَنكُم} بغير واو جزماً، والصحيح عن عاصم أنه قرأ مرفوعاً بالنون، وَرَوى عنه حفص أنه قرأ {وَيُكفّرُ} بالياء والرفع وكذلك رُوِيَ عن الحسن وَرُوِيَ عنه بالياء والجزم، وقرأ عبدالله بن عباس {وَتُكَفِّرْ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ} بالتاء وكسر الفاء والجزم، وقرأ عكرمة {وَتُكَفَّرْ عنكم} بالتاء وفتح الفاء والجزم. قال أبو جعفر: أجود القراءات {وَنكفرُ عنكم} بالرفع هذا قول الخليل وسيبويه. قال سيبويه: والرفع ههنا الوجه وهو الجيد لأن الكلام الذي بعد الفاء جرى مجراه في غير الجزاء. وأجاز الجزم يحمله على المعنى لأن المعنى {وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا ٱلْفُقَرَآءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَنُكَفِّرْ عَنكُم} والذي حكاه أبو حاتم عن الأعمش بغير واو جزماً يكون على البدل كأنه في موضع الفاء والذي رُوِيَ عن عاصم "ويكفِّرُ عنكم" بالياء والرفع يكون معناه يكفر الله. هذا قول أبي عبيد، وقال أبو حاتم معناه يُكفّر الاعطاء، وقرأ ابن عباس "وَتُكفِّرْ" يكون معناه وتكفر الصدقات وقراءة عكرمة "وتُكفّر عنكم" أي أشياء من سيئاتكم فأما النصب "ونكفّرَ" فضعيف وهو على اضمار "أنْ" وجاز على بُعْدٍ لأن الجزاء إنما يجب به الشيء لوجوب غيره فَضَارعَ الاستفهام.

{ لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ وَمَا تُنْفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلاَّ ٱبْتِغَآءَ وَجْهِ ٱللَّهِ وَمَا تُنْفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ }
{لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ..} [272]
تكلَّم جماعة في معنى يَهدِي ويُضلّ فمن أجلّ ما رُوِيَ في ذلك ما رواه سفيان عن خالد الحَذّاء عن عبدالأعلى القُرَشِي عن عبدالله بن الحارث عن عُمَرَ أنه قال في خطبته: {من يهده الله فلا مُضِلَّ له ومن يُضْلِلْ فلا هادي له} وكان الجاثليق حاضراً فأومأ بالانكار فقال عمر: ما يقول؟ فقالوا يقول: إنّ الله لا يهدي ولا يُضِلّ فقال له عمر: كَذبْتَ يا عدوَّ الله بل الذي خَلَقَكَ وهو يضلك ويدخلك النار إن شاء الله إن الله خلق أهل الجنة وما هم عاملون وخلق أهل الناء وما هم عاملون فقال هؤلاء لهذه وهؤلاء لهذه فما بَرِحَ الناس يختلفون في القَدَرِ. قال أبو عبيد" قال الله تعالى: {والله خلقكم وما تعملون}. {وَمَا تُنْفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلاَّ ٱبْتِغَآءَ وَجْهِ ٱللَّهِ وَمَا تُنْفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ} "ما" الأولى في موضع نصب بتنفقوا والثانية لا موضع لها لأنها حرف والثالثة كالأولى.
اعراب آيات سورة ( البقرة )
{ لِلْفُقَرَآءِ ٱلَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي ٱلأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ ٱلْجَاهِلُ أَغْنِيَآءَ مِنَ ٱلتَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ ٱلنَّاسَ إِلْحَافاً وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ }
{.. تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ..}/ 30 أ/ [273] ويقال في هذا المعنى: سِيْمِيَاءُ {لاَ يَسْأَلُونَ ٱلنَّاسَ إِلْحَافاً} مصدر في موضع الحال ملحفين.

{ ٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِٱللَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ }
{ٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِٱللَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ..} [274]
رفع بالابتداء والخبر {فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ} ودخلت الفاء ولا يجوز: زيد فمنطلقُ لأن في الكلام معنى الجزاء أي من أجل نفقتهم فلهم أجرهم وهكذا كلام العرب إذا قلتَ: السارقُ فاقطعه فمعناه من أجل سرقته فاقطعه ومعنى "بِٱللَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ" في الليل والنهار.

{ ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ ٱلرِّبَٰواْ لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ ٱلَّذِي يَتَخَبَّطُهُ ٱلشَّيْطَانُ مِنَ ٱلْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوۤاْ إِنَّمَا ٱلْبَيْعُ مِثْلُ ٱلرِّبَٰواْ وَأَحَلَّ ٱللَّهُ ٱلْبَيْعَ وَحَرَّمَ ٱلرِّبَٰواْ فَمَن جَآءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّنْ رَّبِّهِ فَٱنْتَهَىٰ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى ٱللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }
{#1649;لَّذِينَ يَأْكُلُونَ ٱلرِّبَا..} [275]
رفع بالابتداء والخبر {لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ ٱلَّذِي يَتَخَبَّطُهُ ٱلشَّيْطَانُ مِنَ ٱلْمَسِّ} {فَمَن جَآءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّنْ رَّبِّهِ} لأنه تأنيث غير حقيقي أي فمن جاءه وعظ كما قال:
* إنّ السَّماحَةَ والمروءَةَ ضُمِّنَا *
وقرأ الحسن {فَمَن جَآءَتهُ مَوْعِظَةٌ}.
اعراب آيات سورة ( البقرة )
{ يَمْحَقُ ٱللَّهُ ٱلرِّبَٰواْ وَيُرْبِي ٱلصَّدَقَٰتِ وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ }
{يَمْحَقُ ٱللَّهُ ٱلْرِّبَا..} [276]
الأصل في الربا الواو. قال سيبويه: تثنية ربَوان. قال الكوفيون: تكتبه بالياء وتثنيته بالياء وقال أبو جعفر: سمعت أبا اسحاق يقول: ما رأيتُ خطأً أقبح من هذا ولا أشنع لا يكفيهم الخطأ في الخط حتى يخطئون في التثنية وهم يقرءون {وما آتيتم من رباً ليربو في أموال الناس} وقال محمد بن يزيد: كتب الربا في المصحف بالواو فرقاً بينه وبين الزنا وكان الربا أولى بالواو لأنه من ربا يربو.

{ فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَٰلِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ }
{.. فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ ٱللَّهِ..} [279]
حكى أبو عبيد عن الأصمعي "فَأْذَنُواْ" فكونوا على أذَنٍ من ذلك أي على علم. قال أبو جعفر: وهذا قول وجيز حَسَنٌ حَكَى أهل اللغة أنه يقال: أَذِنْتُ به أَذَناً إذا علمت به ومعنى {فآذِنوا} على قراءة الأعمش وحمزة وعاصم على حذف المفعول.

{ وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ }
{وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ..} [280]
"كان" بمعنى وقع. وأنشد سيبويه:
فِدى لِبَنِي ذُهلِ بنِ شَيْبَانَ ناقَتِي * إذا كانَ يومٌ ذو كَواكِبَ أشْهَب
فهذا أحسنُ ما قِيلَ فيه لأنه يكون عاماً لجميع الناس ويجوز أن يكونَ خبرُ كان محذوفاً أي وإن كانَ ذو عسرة في الدينِ وقال حجاج الوراق في مصحف عبدالله {وَإِن كَانَ ذَا عُسْرَةٍ}. قال أبو جعفر: والتقدير وان كان المُعَامِلُ ذا عسرة {فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَةٍ} أي فالذي تعاملون به نظرة وقرأ الحسن وأبو رجاء {فَنَظْرَةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَةٍ} حذف الكسرة لثقلها وقرأ مجاهد وعطاء {فَنَاظِرْهُ} على الأمرِ {إِلَىٰ مَيْسُرِهِ} بضم السين وكسر الراء واثبات الهاء في الادراج. وقال أبو اسحاق: وقرئ {فَناظِرةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَةٍ} وقرأ أهل المدينة {إِلَىٰ مَيْسُرَةٍ} ويجوز {فنظرةً إِلَىٰ مَيْسَرةٍ} بالنصب على المصدر. قال أبو حاتِم: ولا يجوز "فَنَاظِرةٌ" إنما ذلك في "النمل" {فناظرةٌ بَمَ يَرْجِعُ المُرْسَلونَ} لأنها امرأة تكلمت بهذا لنفسها من نَظَرتْ تَنْظُرُ فهي ناظرةٌ فأمّا "فَنَظِرَةٌ" في البقرة فمن التأخير من ذلك: أنظرتُكَ بالدَّينِ أي اخرتك به و {قال ربّ فأنظِرْني الى يوم يَبْعثونَ} وأجاز ذلك أبو اسحاق وقال: هي من أسماء المصادر مثل {ليس لِوقْعَتها كاذبة} {وأن يفعل بها فاقرة} قال أبو جعفر "مَيْسَرة" أفصح اللغات وهي لغة أهل نجد و"مَيْسُرَة" وإن كانت لغة أهل الحجاز فهي من الشواذ لا يوجد في كلام العرب مَفْعُلَة إلا حروف معدودة شاذة ليس منها شيء إلا يُقالُ فيه مَفْعَلة وأيضاً فإِن الهاء زائدة وليس في كلام العرب مَفْعُلٌ البتّةَ وقراءة من قرأ {إلى مَيْسُرِه} لحن لا يجوز. قال الأخفش سعيد: ولو قرءوا إلى مَيْسِرِه لكان أشبَهَ والذي قال الأخفش حسن يقال: جلستُ مَجلِساً ومَفْعِل كَثِير. قال الأخفش: ويجوز إلى مُوسَرةٍ مثلُ مُدْخَلَةٍ. {وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ} ابتداء وخبر وفي قراءة عبدالله {وأنْ تتصدّقوا} وقرأ عيسى وطلحة {وأن تَصَدّقُوا}/ 30/ ب مخفّفاً تتصدقوا على الأصل وتصدّقوا تدغم التاء في الصاد لقربها منها ولا يجوز هذا في تتفكرون لِبَعْدِ التاء من الفاء ومن خَفّفَ حذف التاء للدلالة ولئلا يجمع بين ساكنين وتاءين.
اعراب آيات سورة ( البقرة )
{ وَٱتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى ٱللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ }
{وَٱتَّقُواْ يَوْماً..} [281]
مفعول {تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى ٱللَّهِ} من نعته.

{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى فَٱكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِٱلْعَدْلِ وَلاَ يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ ٱللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ ٱلَّذِي عَلَيْهِ ٱلْحَقُّ وَلْيَتَّقِ ٱللَّهَ رَبَّهُ وَلاَ يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً فَإن كَانَ ٱلَّذِي عَلَيْهِ ٱلْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لاَ يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِٱلْعَدْلِ وَٱسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ مِّن رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَٱمْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ ٱلشُّهَدَآءِ أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا ٱلأُخْرَىٰ وَلاَ يَأْبَ ٱلشُّهَدَآءُ إِذَا مَا دُعُواْ وَلاَ تَسْأَمُوۤاْ أَن تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَو كَبِيراً إِلَىٰ أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِندَ ٱللَّهِ وَأَقْومُ لِلشَّهَٰدَةِ وَأَدْنَىٰ أَلاَّ تَرْتَابُوۤاْ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَٰرَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلاَّ تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوۤاْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلاَ يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ وَإِن تَفْعَلُواْ فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ ٱللَّهُ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }
{يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ..} [282]
قد ذكرنا كلَّ ما فيه في كتابنا الأول "المعاني" {فَٱكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُب} أثبت اللام في الثاني وحذفَها من الأول لأن الثاني غائب والأول للمخاطَبينَ فإن شئت حذفتَ اللام في المخاطب لكثرة استعمالهم ذلك وهو أجودُ، وإن شئتَ أثبتَّها على الأصل، فأما الغائب فزعم محمد بن يزيد أنه لا بد من اللام في الفعل إذا أمرته، وأجاز سيبويه والكوفيون حَذْفَها وأنشدوا:
مُحمدُ تَفْدِ نَفْسَك كلُّ نَفْسٍ * إذا ما خِفْتَ مِنْ قَومٍ تَبَالا
{وَلْيُمْلِلِ ٱلَّذِي عَلَيْهِ ٱلْحَقُّ} هذه لغة أهل الحجاز وبني أسد، وتَمِيمٌ يقولون: أملَيت وجاء القرآن باللغتين جميعاً. قال جل وعز {فهي تُملَى عليه بُكرةً وأصيلاً} والأصل أمللت أُبدِلَ من اللام ياءٌ لأنه أخفّ {فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَٱمْرَأَتَانِ} رفع بالابتداء "وَٱمْرَأَتَانِ" عطف عليه والخبر محذوف أي فرجلٌ وامرأتان يقومون مقامَهُمَا وإن شئتَ أضمرت المبتدأ أي فالذي يُسْتَشْهَدُ رجلٌ وامرأتان ويجوز النصب في غير القرآن أي فاسْتَشهِدُوا وحكى سيبويه: إنْ خنْجراً فَخِنْجَراً أي فاتخذْ خِنْجراً. {أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا ٱلأُخْرَىٰ} هذه قراءة الحسن وأبي عمرو بن العلاء وعيسى وابن كثير وَحُمَيْدٍ بفتح "أن" ونصب "تُذَكرَ" وتخفيفه وقرأ أهل المدينة {أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ} بفتح "أن" ونصب "تذكر" وتشديده وقرأ ابان بن تغلب والأعمش وحمزة {إن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا ٱلأُخْرَىٰ} بكسر "إن" ورفع تذّكّرُ وتشديده. قال أبو جعفر: ويجوز تَضَلّ بفتح التاء والضاد ويجوز تِضَلَّ بكسر التاء وفتح الضاد والقراءة الأولى حسنة لأن الفصيح أن يُقالَ: أذكرتُكَ وذاكرتك وعَظْتُكَ قال جل وعز: {وذكّرْ فإنّ الذكرى تنفعُ المؤمنينَ} وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم "رَحِمَ الله فُلاناً كأيٍّ من آية أذْكرنيها" وفي هذه القراءة على حسنها من النحو اشكالٌ شديد. قال الفراء: هو في مذهب الجزاء وإنْ جزاءٌ مقدم أصلُهُ التأخيرِ أي اسْتَشْهِدُوا امرأتينِ مكانَ الرجلِ كما تذكر الذاكرة الناسية إنْ نَسِيَتْ فلما تقدّمَ الجزاء اتّصلَ بما قَبلَه فَفُتِحَتْ أن فصار جوابه مردوداً عليه قال: ومثلُهُ: إني ليُعجِبُني أنْ يسألَ السائلُ فيُعْطَى. المعنى أنه يُعجِبُهُ الاعطاء وإن سأل السائل. قال أبو جعفر: وهذا القول خطأ عند البصريين لأن "إنْ" المجازاة لو فتحت انقلب المعنى وقال سيبويه: {أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا ٱلأُخْرَىٰ} انتصب لأنه أمَر بالإشهاد لأن تذكر ومن أجل أن تذكر. قال: فإنْ قال انسانُ: كيف جاز أن تقولَ أن تَضلَّ؟ ولم يُعَدَّ هذا للاضلال والالتباس فإنما ذكر أنْ تَضل لأنه سبب الإذكار كما يقول الرجل: أعددته أن يميل الحائط فأدعَمَهُ. وهو لا يطلب باعداده ذلك ميلان الحائط ولكنه أخبر بعلة الدعم وبسببه. قال أبو جعفر: وسمعتُ علي بن سليمان يحكي عن أبي العباس محمد ابن يزيد ان التقدير ممن ترضونَ من الشهداء كراهة أنْ تضلّ احداهما وكراهة أنْ تُذْكِرَ احداهما الأخرى. قال أبو جعفر: وهذا القول غلط وأبو العباس يُجَلُّ عن قول مثله لأن المعنى على خلافه وذلك أنه يَصيرُ المعنى كراهةَ أنْ تَضِلَّ احداهما وكراهةَ أنْ تُذْكِرَ إحداهما الأخرى وهذا محال وأصحُّ الأقوالِ قولُ سيبويه ومن قال تَضَلّ جاء به على لغة من قال: ضَلِلْتُ تَضَلُّ وعلى هذا تقول: تِضَلّ بكسر/ 31 أ/ التاء لتدلّ على أن الماضي فَعِلْت. {وَلاَ تَسْأَمُوۤاْ} قال الأخفش: يُقالُ: سئمت أسأمُ سآمةً وسآماً وسأماً وسأَماً {أَن تَكْتُبُوهُ} في موضع نصب بالفعل كما قال:
* سَئِمتُ تكالِيفَ الحَياةِ وَمَن يَعِشْ *
{صَغِيراً أَو كَبِيراً} على الحال: أعطَيتُهُ دَيْنَهُ صَغُر أو كبُرَ. {ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِندَ ٱللَّهِ} ابتداء وخبر {وَأَقْومُ لِلشَّهَادَةِ} عطف عليه وكذا {وَأَدْنَىٰ أَلاَّ} في موضع نصب أي من ان لا. {إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةٌ حَاضِرَةٌ} "أنْ" في موضع نصب استثناء ليس من الأول. قال الأخفش: أي إلاّ أن تقع تجارة وقال غيره {تُدِيرُونَهَا} الخبر وقرأ عاصم {إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً} أي إلاّ أن تكونَ المدَاينة تجارةً حاضرةً {وَأَشْهِدُوۤاْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ} أمرٌ فزعم قوم أنه على الندبِ والتأديب وكذا قالوا في قوله "إإِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى فَٱكْتُبُوهُ" هذا قول الفراء وزعم أنّ مثله {وإذا حَلَلْتُمْ فاصطادُوا} قال ومِثلُهُ {فإذا قُضِيَت الصلاة فانتشروا في الأرضِ}. قال أبو جعفر: هذا قول خطأ عند جميع أهل اللغة وأهل النظر ولا يشبه هذا قوله تعالى {وإذا حللتم فاصطادوا} ولا {فانتشروا في الأرض} لأن هذين إباحة بَعْدَ حَظْرٍ ولا يجوز في اللغة أن يُحْمَلَ الأمر على الندبِ إلاّ بما تستعمله العرب من تَقَدُّمِ الحَظْرِ أو ما أشبَهَ ذلك فزعم قوم أنّ هذا مما رُخّصَ في تركه بغير آية وعلى هذا فسّرُوا {أو نُنْسِهَا} قالوا: نُطْلِق لكم تركَها وقيل الاباحة في ترك المكاتبة بالدَّيْنِ فإن أمِنَ بَعضُكُم بعضاً وقيل: المكاتبة واجبة كما أمر الله عز وجل إذا كان الدين إلى أجَلٍ وأمر الله بهذا حفظاً لحقوقِ الناس وقال عبدالله بن عمر: المشاهدة واجبة في كل ما يُبَاعُ قليلٍ أو كثيرٍ كما قال الله تعالى {وَأَشْهِدُوۤاْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ} {وَلاَ يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ} يجوز أن يكونَ التقدير ولا يضارَرْ وأن يكون التقدير ولا يضارِر. قال أبو جعفر: ورأيتُ أبا اسحاق يَمِيلُ إلى هذا قال: لأن بعده "وَإِن تَفْعَلُواْ فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ" فالأولى أن تكونَ مَنْ شَهِدَ بِغَيْرِ الحقِّ أو حرّفَ في الكتابة أن يقال له: فاسق فهو أولى ممن سألَ شاهداً وهو مشغول أن يشهَدَ. قال المُفضّل: وقرأ الأعمش {وَلاَ يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ}. قال أبو جعفر: كسر الراء لالتقاء الساكنين وكذلك مَن فَتَحَ إلاّ أن الفتح أخفُّ وقرأ عمر بن الخطاب وابن عباس وابن أبي اسحاق {ولا يُضَارِرْ} بكسر الراء الأولى وقرأ ابن مسعود {ولا يُضَارَرْ} بفتح الراء الأولى وهاتان القراءتان على التفسير ولا يجوز أنْ تُخالف التلاوة التي في المصحف {وَإِن تَفْعَلُواْ فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ} أي فإن هذا الفعل ويجوز أن يكونَ التقدير فإن الضَرارَ فسوق بكم كما قال:
* إذا نُهِيَ السَّفِيهُ جَرَى إليهِ *

{ وَإِن كُنتُمْ عَلَىٰ سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُواْ كَاتِباً فَرِهَٰنٌ مَّقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ ٱلَّذِي ٱؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ ٱللَّهَ رَبَّهُ وَلاَ تَكْتُمُواْ ٱلشَّهَٰدَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ }
{وَإِن كُنتُمْ عَلَىٰ سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُواْ كَاتِباً..} [283]
وقرأ ابن عباس ومجاهد وعكرمة والضحاك وأبو العالية {وَلَمْ تَجِدُواْ كَتاباً} وَرُوِيَ عن ابن عباس {وَلَمْ تَجِدُواْ كُتَّاباً} قال أبو جعفر: هذه القراءة شاذّةٌ والعامة على خلافها وقلَّ ما يَخرُجُ شيء عن قراءة العامة إلاّ كان فيه مَطْعَنٌ نَسَقُ الكلام يدلُّ على كاتب قال تعالى قبل هذا {وَلْيكتُبْ بَينكم كاتبٌ بالعدلِ} وكُتّابٌ يقضي جماعة. {فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ} هذه قراءة علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأهل الكوفة وأهل المدينة وقرأ ابن عباس {فَرُهُنٌ} بضمتين وهي قراءة أبي عمرو وقرأ عاصم بن أبي النجود {فَرُهْنٌ} بإسكان الهاء وتُرْوَى عن أهل مكة. قال أبو جعفر: الباب في هذا رِهَان كما تقول: بَغْلٌ وبِغالٌ وكَبْشٌ وكِبَاشٌ 31/ ب و "رُهُنٌ" سبيله ان يكون جمع رِهان مِثلُ كِتَاب وكُتُب وقيل: هو جمع رَهْن مِثلُ سَقْفِ وسُقُف وليس هذا الباب و "رهْنٌ" بإسكان الهاء سبيله أن تكونَ الضمّة حُذِفَتْ منه لِثِقَلِها وقيلَ: هو جمع رَهْنِ مثلُ سَهْمٌ حَشْرٌ أي دقيق وسِهَامٌ حُشْرٌ والأول أولى لأن الأول ليس بِنَعْتٍ وهذا نَعتُ. {فَلْيُؤَدِّ} من الأداء مهموزٌ ويجوز تخفيف همزة فَتُقْلَبُ الهمزة واواً ولا تُقلَبُ ألفاً ولا تجعل بين بينَ لأن الألف لا يكون ما قبلها إلاّ مفتوحاً. {ٱلَّذِي ٱؤْتُمِنَ} مهموز في الأصل لأنه من الأمانة ففاء الفعل همزة. والأصل في اؤتُمِنَ أُأْتُمِنَ كَرِهُوا الجمع بين همزتين فلما زالت إحداهُما هُمِزت فإن خَفّت الهمزة التقى ساكنان الياء التي في الذي والهمزة المُخفّفة فَحُذِفَتْ فقلت: الذي تُمِنَ وإذا همزت فقد كان التقى ساكنان أيضاً إلاّ أنك حَذَفت الياء لأن قبلها ما يدلّ عليها وإذا خَفّفت الهمزة لم يَجُزْ أن تأتي بواو بَعْدَ كسرة والابتداء أُؤْتُمِنَ وقرأ أبو عبدالرحمن {وَلاَ يَكْتُمُواْ ٱلشَّهَادَةَ} جعله نهياً لِغَيبٍ {وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} فيه وجوه إنْ شئتَ رفعت آثماً على أنه خبر "إن" وقلبه فاعل سد مسد الخبر، وإن شئتَ رفعتَ آثماً على الابتداء وقلبه فاعل وهما في موضع خبر "إنَّ" وإن شئت رفعت آثماً على أنه خبر الابتداء يُنْوَى به التأخير، وإن شئت كان قلبه بدلاً من آثم كما تقول: هو قلب الآثم وإن شئت كان بدلاً من المضمر الذي في آثم وأجاز أبو حاتم "فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ" قال: كما تقول: هو آثمٌ قلب الإثم. قال: ومثله: أَنتَ عربيٌّ قلباً على المصدر. قال: أبو جعفر: وقد خُطّئ أبو حاتم في هذا لأن قلبه معرفة ولا يجوز ما قال في المعرفة، لا يقال: أنتَ عربيٌّ قلبَهُ.
اعراب آيات سورة ( البقرة )
{ للَّهِ ما فِي ٱلسَّمَٰوٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَإِن تُبْدُواْ مَا فِيۤ أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ ٱللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }
{.. وَإِن تُبْدُواْ مَا فِيۤ أَنْفُسِكُمْ..} [284]
شرط {أَوْ تُخْفُوهُ} عطف عليه {يُحَاسِبْكُمْ بِهِ ٱللَّهُ} جواب الشرط {فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ} عطف على الجواب. قال سيبويه: وبلغنا أنّ بعضهم قرأ {فَيَغْفِرَ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ}. قال أبو جعفر: هذه القراءة مروية عن ابن عباس والأعرج وهي عند البصريين على اضمار "أنْ" وحقيقته أنه عطف على المعنى والعطف على اللفظ أجود كما قال:
وَمَتَى مايَعِ منك كلاماً * يَتكلّمْ فَيُجِبْكَ بِعَقْلِ
وقرأ الحسن ويزيد بن القعقاع وابن مُحَيصنٍ {يُحَاسِبْكُمْ بِهِ ٱللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ} قَطعَهُ من الأول ورُوي عن طلحة بن مُصرِّف {يُحَاسِبْكُمْ بِهِ ٱللَّهُ يَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ} بغير فاء على البدل وأجود من الجزم لو كان بلا فاء، الرفع حتى يكونَ في موضع الحال كما قال:
مَتَى تأتِهِ تَعْشُو الى ضَوءِ نارِهِ * تَجِدْ خَيْرَ نَارِ عِنْدَها خَيرُ مُوْقِدِ

{ ءَامَنَ ٱلرَّسُولُ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَٱلْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِٱللَّهِ وَمَلاۤئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ ٱلْمَصِيرُ }
{.. كُلٌّ آمَنَ بِٱللَّهِ..} [285]
على اللفظ ويجوز في غير القرآن آمنوا على المعنى. {وَقَالُواْ سَمِعْنَا} على حذف أي سمعنا سماعَ قَابِلِينَ وقِيلَ: سَمِعَ بمعنى قَبِلَ، كما يقال: سَمِعَ الله لِمَنْ حَمِدَهُ. {غُفْرَانَكَ} مصدر {رَبَّنَا} نداء مضاف.

{ لاَ يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا ٱكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَآ أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَآ إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَٱعْفُ عَنَّا وَٱغْفِرْ لَنَا وَٱرْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلَٰـنَا فَٱنْصُرْنَا عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْكَافِرِينَ }
{.. لاَ تُؤَاخِذْنَا..} [286]
جزم لأنه طلب، وكذا {وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَآ إِصْراً} {وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ}. ولفظه لفظ النهي {وَٱعْفُ عَنَّا} طلب أيضاً ولفظه لفظ الأمر، ولذلك لم يعرب عند البصريين وجزم عند الكوفيين وكذا {وَٱغْفِرْ لَنَا وَٱرْحَمْنَآ} وكذا {فَٱنْصُرْنَا عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْكَافِرِينَ}.

Tidak ada komentar:

Posting Komentar